على وقع علاقات رئاسية مضطربة أحيانا على إدارة الملفات يحتدم النزاع السياسي على استحقاق الانتخابات النيابية المقررة في أيار المقبل كلما اقترب موعده بأشكال وأساليب عدة.

وفي هذه المرحلة بالذات تتشابك وتشتبك المواقف والمصالح استعداداً لخوض الاستحقاق النيابي الذي يجمع كثيرون على أنه سيكون مفصلياً هذه المرة لأن التنافس سيكون على أشده في ضوء الواقع الجديد الذي أفرزته الحرب الإسرائيلية على "حزب الله. ذلك أن كل فريق يطمح إلى الفوز بالأكثرية النيابية أو على الأقل الفوز بعدد مرموق من المقاعد التي تمكّنه من إعادة تكوين السلطة على ما يشتهي. لذلك سيتوسل كثيرون أي شيء للوصول إلى هذا الهدف حتى ولو احتاج الأمر اللجوء إلى إثارة النعرات الطائفية والمذهبية.

هذا التنافس الحاد قد يعيق انجاز الاستحقاق النيابي أو يعطّله. فهزيمة ثنائي حركة "أمل" و"حزب الله" هي الهدف الأول لدى منافسيه الذين سيسعون إلى خرق لائحته التي تمثّل الشيعة والمكونة من 27 نائبا، والتي يمسك بها في المجلس الحالي. والخرق الذي يطمحون إليه هو بمقعد واحد على الأقل ليخوضوا به معركة رئاسة المجلس النيابي المقبل إذا تطلب الأمر ضد رئيس المجلس الحالي نبيه بري أو على الأقل لإظهار أن "الثنائي" ليس محل إجماع عند بيئته. واللافت في هذا السياق أن المطالبة بوجوب نزع سلاح "حزب الله" قبل الانتخابات "لئلا يكون له تأثير فيها" ترتفع تحت طائلة مقاطعتها أو الدفع إلى تأجيلها وتمديد ولاية المجلس الحالي إلى حين نزع هذا السلاح، خصوصاً إن اكتشف هؤلاء الخصوم مسبقاً أن نتائج الانتخابات لن تأتي كما يشتهون. ولكن الجميع يعلم أن استمرار هذه الضغوط وعدم توافر الظروف الموضوعية لنزع السلاح، وأبرزها التزام إسرائيل بوقف أطلاق النار والانسحاب إلى خلف الحدود، لن تؤدي سوى إلى تأجيل الانتخابات لأن نزع السلاح لا يمكن أن يحصل بالقوة أولاً، ولأنه ليس بالأمر الذي يمكن تحقيقه لوجستياً وفنياً وتقنياً بشهر أو شهرين ثانيا. كما أن الضاغطين داخلياً وخارجياًٍ في هذا الاتجاه يدركون أن الجيش اللبناني لا يمكنه الاصطدام بـ "حزب الله" أو أي جهة لبنانية أخرى لعدم تعريض السلم الأهلي والمؤسسة العسكرية لمخاطر ناتجة من غياب قرار سياسي توافقي واضح.

والواقع أن القوى السياسية منقسمة على طريقة التعاطي مع الاستحقاق النيابي. فبعضها ذاهب بثقة إلى خوضه مقتنعاً بالفوز، كـ "الثنائي الشيعي" والبعض الآخر حذر أو خائف من أن تأتي النتائج عكس ما يشتهي، وبعض ثالث ذاهب إلى خوضها غير آبه بنتائجها المحتملة لأن المهم بالنسبة إليه هو استمرار تداول السلطة عبر الانتخابات الديمقراطية منعا للعودة مجدداً إلى التمديد أو الفراغ. وثمة فريق رابع يرى أن يًنجَز الاستحقاقُ النيابي في موعده لأن نتائجه لن تختلف عن السابق. فالجميع في النهاية محكومون بالتوافق، حتى وإن فاز فريق بالاكثرية النيابية او اخترق الحصة النيابية الشيعية. ففي الماضي لم يتمكن معارضو رئيس المجلس من خوض معركة رئاسة المجلس النيابي ضده، وهو المرشح التقليدي لها منذ أكثر من 35 عاما. وقد أعيد انتخابه لعدم وجود منافس شيعي ضده. هم نفسهم الآن سينتخبونه في النهاية لهذا السبب. تدرك العواصم والجهات الدولية الفاعلة والمؤثرة بالوضع اللبناني هذه الحقائق لكنها أحيانا تتغاضى عنها بسبب عدائها لـ "حزب الله" الذي ترى فيه تهديداً لأمن إسرائيل.

في أي حال وحتى إشعار آخر يبقى موضوع الانتخابات النيابية ونزع سلاح "حزب الله" ملفّين شائكين. الأول تحكمه مواقف الأحزاب من قانون الانتخاب، والخلاف على تصويت المغتربين وتأثير ذلك على التوازنات السياسية. والثاني يرتبط بالموقف الرسمي للحكومة والجيش، وموقف "حزب الله"، والضغوط الدولية والإقليمية. والتعمق في خطة نزع السلاح ومواقف الأحزاب من قانون الانتخاب يكشف تداخل قضية سيادة الدولة مع الاستحقاق النيابي والتنافس على التمثيل النيابي.

قضية نزع السلاح غير الشرعي هي أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطة اللبنانية. فهي قضية متجذرة اُعيد طرحها في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة بحيث تتعرض الحكومة لضغوط خارجية كبيرة خصوصاً من الولايات المتحدة، لتنفيذ قرارَي مجلس الأمن 1559 و1701 القاضيين بحل الميليشيات ونزع سلاحها. وقد تجسد هذا الدعم الأميركي أخيراً بموافقة واشنطن على تقديم 230 مليون دولار مساعدة للقوات المسلحة اللبنانية (190 مليون دولار للجيش و40 مليون لقوات الأمن الداخلي) في إطار سعيها لنزع سلاح "حزب الله"، فيما تواصل إسرائيل خرقها لوقف النار وعدم الانسحاب من الجنوب ممارسة حرب استنزاف تهدف إلى إضعاف "الحزب" وإجبار الحكومة على المضي قدماً في نزع سلاحه

أما بالنسبة إلى موقف القوى السياسية من قانون الانتخاب فيتلخص بالمعركة الدائرة حول طريقة اقتراع المغتربين التي تعكس نزاعا أعمق على موازين القوى في المجلس النيابي المقبل. فهناك فريق من النواب يضم حزب "القوات اللبنانية" و"قوى التغيير"، يطالب بإلغاء المادة التي تنص على إحداث ستة مقاعد للمغتربين فقط، والسماح لهم بالتصويت لجميع النواب الـ 128 ضمن دوائرهم الأصلية. وفي المقابل يصرّ فريق نيابي آخر يضم حركة "أمل" و"حزب الله" وأخرين على التمسك بالقانون النافذ وحصر اقتراع المغتربين بستة نواب فقط يمثلون قارات الانتشار اللبناني.

في أي حال يمثل ملفا نزع السلاح والانتخابات وجهين لأزمة السيادة والتمثيل في لبنان. بينما تبدأ الحكومة خطوة عملية وحذرة نحو تحقيق حصرية السلاح بيد الدولة تظهر المعركة السياسية حول قانون الانتخاب كيف أن الخلاف على قواعد اللعبة الديموقراطية قد يؤدي إلى تعطيلها.