قبل شهر، كتب رئيس مجلس العلاقات الخارجية السابق ريتشارد هاس مقالاً في مجلة "فورين أفيرز" يدعو إلى قيام دولة فلسطينية قائلاً إن مثل هذه الدولة يمكن أن تكون أمراً جيداً لإسرائيل.
ربما لأن إسرائيل تعارض منذ فترة طويلة قيام دولة فلسطينية، فإن مبادرة الرئيس ترامب "خطة سلام لغزة" لم تشر إلى تلك الدولة إلا بتلميح بعيد، إذ ورد فيها إقرار بتطلعات الفلسطينيين إلى "تقرير المصير".
تمثل خطة ترامب لغزة والمكوّنة من 20 نقطة مبادرة جديدة كبرى تقودها الولايات المتحدة لإنهاء الصراع الطويل بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة. وقد وُضعت الخطة لإنهاء حرب دموية شرسة وطويلة الأمد قتلت عشرات الآلاف ودمرت غزة وبُنيتها التحتية. وهي طموحة ومثيرة للجدل في آن، وتقدّم إطاراً مفصّلاً يمزج ضمانات الأمن لإسرائيل، وإعادة الهيكلة السياسية في غزة، وإعادة الإعمار الاقتصادي. ومع ذلك، فقد أثارت صياغة الخطة ومحتواها والنتائج المحتملة لها جدلاً شديداً بين الأطراف المعنيين الإقليميين والدوليين.
أصحاب الخطة
طُوِّرت الخطة المكوّنة من 20 نقطة داخل دائرة مستشاري إدارة ترامب، مع مساهمة كبيرة من جاريد كوشنر وستيف ويتكوف – وهما رجلا أعمال يعملان في التطوير العقاري ويعكسان نهج ترامب الشخصي في النظر إلى الصراعات الجيوسياسية من خلال عدسة الصفقات والمعاملات. ويتكوف هو موفد الرئيس ترامب الحالي إلى الشرق الأوسط، وهو المنصب الذي تبوّأه كوشنر في إدارة ترامب الأولى. ويقال إن الخطة وضعت بعد مناقشات ليس فقط مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكن أيضاً بشكل سري مع قادة إقليميين، بما في ذلك ملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على أن البلدين رفضا بشكل واضح أفكار تهجير سكان غزة.
توصف الرؤية المركزية للخطة بأنها تحوِّل غزة إلى منطقة "خالية من التطرف" والإرهاب، وتضع الحوكمة مؤقتاً في أيدي حكومة فلسطينية تكنوقراطية – تستبعد حماس – وتخضع لإشراف كيان دولي يسمى "مجلس السلام" يلعب فيه رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير دوراً بارزاً. وهي خطوة مثيرة للجدل بين الفلسطينيين بسبب دعم بلير غزو العراق والارتباطات الاستعمارية. قدّمت إدارة ترامب الخطة كحل شامل لن يوقف العنف فحسب، بل يعيد أيضاً بناء اقتصاد غزة على نموذج شُبّه بـ "سنغافورة البحر المتوسط"، مع التركيز على مناطق التجارة الحرة وتطوير البنية التحتية.
مضمون الخطة
تحدّد النقاط العشرون نهجاً متعدد الأوجه، وتشمل الأحكام الرئيسية ما يلي:
- وقف إطلاق نار فوري ووقف الأعمال العدائية عند التوصل إلى اتفاق، مع خطوط جبهة ثابتة وعدم ضم إسرائيل لغزة.
- الإفراج عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس، أحياءً أو متوفين، في غضون 72 ساعة، مقابل الإفراج عن السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، بما في ذلك المئات الذين تم اعتقالهم منذ التصعيد الأخير.
- إنشاء إدارة فلسطينية تكنوقراطية انتقالية في غزة، تستبعد حماس، في انتظار إعادة تشكيل وجود السلطة الفلسطينية.
- نزع سلاح وتجريد حماس من السلاح، لتصبح غزة منطقة مستقرة أمنياً وخالية من الإرهاب لا تشكل تهديداً لإسرائيل أو جيرانها.
- إعادة تطوير البنية التحتية والاقتصاد في غزة، بهدف تشجيع الفلسطينيين على البقاء والازدهار بدلاً من الانتقال.
- إنشاء "مجلس السلام"، برئاسة شخصيات دولية من بينها توني بلير، للإشراف على الحوكمة والمسار نحو دولة فلسطينية مستقبلية.
- الاعتراف بتطلعات الفلسطينيين لتقرير المصير، وإن كان ذلك يتعارض مع رفض إسرائيل قيام دولة فلسطينية ذات سيادة.
- تأكيدات بعدم إجبار أي من سكان غزة على المغادرة، ولكن للأفراد حرية الحركة إذا اختاروا ذلك.
السيناريو الأول: النجاح
في أفضل الحالات، تقبل حماس الخطة أو تشارك بشكل بناء للتفاوض على الشروط، مما يؤدي إلى وقف إطلاق نار سريع وتبادل الأسرى. وهذا من شأنه أن يوقف فوراً إراقة الدماء الناجمة عن الحرب، ويسمح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، ويمهد الطريق لجهود إعادة الإعمار بقيادة دولية. يمكن للحكومة التكنوقراطية أن تستقر إدارة غزة، وتهمش الفصائل المتطرفة، وتفتح فرصاً اقتصادية تحسن الظروف المعيشية لسكان غزة.
مثل هذا النجاح يمكن أن يسهل التطبيع الإقليمي الأوسع، مشجعاً دول الخليج والعربية على استئناف العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع غزة وإسرائيل. يمكن لمشاركة مجلس السلام أن تعزز الثقة من خلال الإصلاحات الخاضعة للإشراف الدولي والضمانات الأمنية، لئلا تكون عقبة نحو قيام الدولة الفلسطينية في نهاية المطاف بموجب شروط متفق عليها دولياً.
بالنسبة للولايات المتحدة والرئيس ترامب، سيمثّل التنفيذ الناجح انتصاراً دبلوماسياً بارزاً، ويعزّز صورتهما كصانعَي سلام في الشرق الأوسط، ويعيد تعريف النفوذ الـ "أميركي في المنطقة. هذا النجاح يقلل من الأعمال العدائية وردود الفعل عليها، ويحسّن الأمن الإسرائيلي، ويوفر للفلسطينيين مساراً نحو الحكم الذاتي خالياً من السيطرة المسلحة لحماس.
السيناريو الثاني: الفشل
على العكس من ذلك، تواجه الخطة تحديات كبيرة يمكن أن تؤدي إلى الفشل. وأهم هذه التحديات هو رفض حماس القاطع لمطالب مثل الإفراج الفوري عن الرهائن ونزع السلاح، والتي يرونها شروطاً تجردهم من النفوذ والتحكم في غزة. بدون موافقة حماس، لن يثبت وقف إطلاق النار، ويمكن أن يتصاعد الصراع أكثر، مع تكثيف إسرائيل للعمليات العسكرية بدعم "أميركي أعلنه ترامب ونتنياهو.
ثمّ إن الخطة تهمش أيضاً الأصوات السياسية الفلسطينية الشعبية ولا تضمن الأمن الطويل الأجل أو الحقوق السياسية. ومشاركة شخصيات مثل توني بلير، الذي يراه العديد من الفلسطينيين كممثل للتحيز الغربي يهدّد بتنفير الدعم الشعبي في غزة.
هناك أيضاً شكوك حول استعداد إسرائيل للانسحاب الكامل واحترام شروط وقف إطلاق النار بعد إعادة الرهائن. إن عدم وجود آليات تنفيذ واضحة تتجاوز الضمانات الـ "أميركية يخلق أساساً هشاً عرضة للانهيار.
يمكن لخطة فاشلة أن تفاقم الأزمات الإنسانية، وتؤجج التطرف، وتثير عدم الاستقرار الإقليمي. من شأنه أن يعمق الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية، ويقوض مصداقية الولايات المتحدة كوسيط نزيه، وربما يدعو قوى إقليمية أخرى لملء الفراغ دبلوماسياً وعسكرياً.
يمكن أن يدفع فشل الخطة بغزة والمنطقة إلى اضطراب أعمق، مسلطاً الضوء على التعقيدات التي ْمنذ فترة طويلة الحلول البسيطة.
في كلتا الحالتين، سيتغير وجه الشرق الأوسط.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]