سجّل "حزب الله" "انتصاراً" مبيناً في موقعة صخرة الروشة. "احتلّ" الأرصفة المشرفة عليها ونشر مراكبه في البحر حولها وأضاءها بصورتَي السيّدَين. "قوّم" كلمته في وجه الحكومة ونفّذ ما أراد.
في المقابل، تُرِك رئيس الحكومة وحيداً في وجه حملة شعواء شنّتها عليه "بيئة الحزب". ومع أن "الحزب" امتنع حتى الآن عن التعرّض لرئيس الحكومة، فإن المنصات المعروفة بالتحدث باسمه والدفاع عنه والترويج له ومهاجمة خصومه قالت في رئيس الحكومة ما لم يقله مالك في الخمرة، ونعَتَهُ المحتفلون بإحياء الذكرى السنوية الأولى لمقتل السيّدين بـ "الصهيوني".
لماذا؟ لأنه أصر على تطبيق ما ورد في بيانه الحكومي عن بسط سيادة الدولة بقواها الذاتية على جميع أراضيها، ومن ضمنه حصر السلاح في يد القوى العسكرية والأمنية الشرعية. وهو أصدر أيضاً مذكّرة خدمة طلب فيها من القوى الأمنية منع أي كان من استخدام المعالم الأثرية والوطنية، ومنها صخرة الروشة، لأغراض سياسية. وقد وقّع نائبان "حزبيان" اتفاقاً مع محافظ بيروت بحضور وزير الداخلية، تعهّدا فيه عدم إضاءة الصخرة، ولكنّ المشاعر الجيّاشة طغت على التعهُّد.
"قوّم" الحزب كلمته معطياً صورةَ قوةٍ يريد منها أنه لا يزال له اليد العليا في قرار البلد. لكنّه بالتأكيد ليس كذلك.
من المعروف أن اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي سعى إليه الـ "حزب" – خلافاً لما يدّعيه – ينص على تفكيك كل بناه العسكرية وتسليم كل أسلحته على كامل الأراضي اللبنانية. وهذا ما لم يحدث، وما لن يحدث، إذا استندنا إلى خطاب أمين عام الـ "حزب" يوم السبت الفائت، وإلى ما كشفه أحد نواب "الحزب" وهو أن "الحزب" اتفق مع المرشّح الرئاسي جوزاف عون بين جلستَي الانتخاب الرئاسي على أن السلاح يُجمَع في منطقة جنوب الليطاني فقط، وعلى هذا الأساس انتخبه "الحزب". وإذا صحّ هذا، يكون "الحزب" قد أخذ وعداً ممّن لا يملك أن يعطيه.
وما لم يتم تفكيك البنى العسكرية غير الشرعية وتسليم السلاح، لن تنسحب إسرائيل من أيّ من النقاط التي تحتلها، ولن تبدأ إعادة الإعمار ولن يعود المهجَّرون.
وهنا يوجَّه السؤال إلى "حزب الله": أيهما أهم؟ إضاءة صخرة الروشة أو انسحاب إسرائيل من النقاط المحتلّة، وإعادة الإعمار، وعودة النازحين إلى ديارهم؟
وثمّة أسئلة أخرى بعد قول الأمين العام "لن نترك الساح ولن نتخلى عن السلاح". أين هي الساح بالضبط؟ مكانها على تخوم إسرائيل، أو "الحافة الأمامية". أين هو الـ "حزب" منها الآن؟ ومن أين سيستخدم سلاحه ضد إسرائيل؟ وما هي قيمة هذا السلاح إن لم يكن على تماس مع إسرائيل؟ وما جدواه إن بقي مطموراً في البقاع أو ضاحية بيروت الجنوبية أو في أي مكان آخر؟
ما نخشاه هو أن يكون بقاء الاحتلال الإسرائيلي حجة لعدم تسليم "حزب الله" سلاحه، وأن يكون التمسك بالسلاح حجة لبقاء الاحتلال.
خشيتنا هنا حقيقية في ضوء التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الموفد الرئاسي الأميركي، اللبناني الأصل، توم برّاك عن كثرة كلام الدولة اللبنانية وقلة فعلها، وفي ضوء معاملة الأمم المتحدة والولايات المتحدة للرئيس اللبناني.
- فقد حُدّد وقت خطابه أمام الجمعية العامة في ساعة متأخرة ليلاً بتوقيت بيروت، بحيث أن اللبنانيين لم يعرفوا بمضمون الخطاب إلا في اليوم التالي.
- ولم يشمل نشاطه لقاءات مع مسؤولين عرب وأوروبيين رفيعين، كالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تعدّ بلاده مع المملكة العربية السعودية مؤتمراً لدعم الجيش اللبناني.
- ولم تجرَ ترتيبات ليلتقي مسؤولين أميركيين رفيعين، إذا استثنينا اللقاء اليتيم مع وزير الخارجية ماركو روبيو، خلافاً لما فعله الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في زيارته الأولى لنيويورك.
حتى أن رئيسنا ما استفاد من وجود الشرع في مقر الأمم المتحدة، فلم يلتقيا اللهم إلا لقاء المصافحة.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]