في صباح السابع من كانون الأول عام 1941، استيقظَت الولايات المتحدة على واحدة من أعنف الضربات المفاجئة في تاريخها على القاعدة البحرية الأميركية في بيرل هاربر بجزر هاواي من قبل اليابان. لم يكن ذلك الهجوم مجرّد عملية عسكرية تقليدية، بل كان خطأً قاتلاً استراتيجياً، غيّرَ موازين القوى العالمية من جذورها.
قبل الهجوم، كانت اليابان تسعى للتوسع في آسيا والمحيط الهادئ في مواجهة عقوبات اقتصادية خانقة فرضتها واشنطن بسبب غزوها للصين وتهديدها لمستعمرات أوروبية، حيث رأت القيادة اليابانية أن ضرب الأسطول الأميركي في بيرل هاربر سيمنحها وقتاً كافياً لترسيخ نفوذها في آسيا، معتقدة أن الولايات المتحدة ستفضل الانسحاب على الدخول في حرب طويلة. لكن هذه الحسابات كانت خاطئة، وخطأها القاتل تمثل في استفزاز قوّة اقتصادية وصناعيّة وعسكريّة هائلة كأميركا.
في ذلك الصباح، انقضّت أكثر من 350 طائرة يابانية على بيرل هاربر لتدمّر بوارج ضخمة وتُغرِق العشرات من السفن وتقتل ما يزيد على 2400 جندي من البحرية الأميركية. بدا المشهد كارثياً للولايات المتحدة، وفقد سلاح البحرية الأميركي توازنه في الساعات الأولى.
لكن ما لم تدركه اليابان أن هذا الهجوم أيقظ "العملاق النائم"، كما وصفه قائد البحرية اليابانية الأميرال "ياما موتو" حينها.
رغم نجاح الهجوم تكتيكياً، أخفقت اليابان في تحقيق أهداف استراتيجية مهمة جداً، منها على سبيل المثال لا الحصر:
- لم يتم تدمير حاملات الطائرات الأميركية، التي لم تكن في الميناء أصلاً.
- بقيت خزانات الوقود والمخازن الحيويّة سليمة، وهذا ما سمح بإعادة ترميم الأسطول الأميركي بسرعة.
بالمقابل، فإن الوحدة الوطنية الأميركية تعزّزت بشكل غير مسبوق، فبدلاً من أن تتفكّك، حوّل هذا الهجوم الرأي العام من العزلة إلى الحشد الكامل خلف قرار الدخول في الحرب القائمة في أوروبا.
أما التداعيات الجيوسياسية لدخول أميركا الحرب العالمية الثانية بعد إعلان الرئيس فرانكلين روزفلت الحرب على اليابان بعد يوم واحد فقط، غيّرت موازين القوى في حسم الحرب لصالح الحلفاء، وفي النهاية إلى انهيار دول المحور.
خرجت الولايات المتحدة من الحرب كأكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم دون منازع، لتتربّع على قيادة النظام الدولي اعتباراً من النصف الثاني من القرن العشرين ولغاية تاريخه، خاصة بعد ظهور القوّة الذريّة في ذلك الوقت بعد إلقاء القنبلتين الذريتين على "هيروشيما وناغازاكي" عام 1945، وهذا كان السبب الرئيسي لإنهاء الحرب وفتح الباب لعصر جديد من الرعب النووي.
قصة بيرل هاربر تذكّر العالم بأن النجاح التكتيكي قد يخفي هزيمة استراتيجية، وأن استفزاز قوّة كبرى كالولايات المتحدة قد يقلب الموازين بشكل لا رجعة فيه، فالهجوم الذي أرادته اليابان ضربة حاسمة، تحوّل إلى خطأ قاتل أدى إلى سقوطها كإمبراطورية وصعود أميركا كقوة عظمى بلا منازع.
بيرل هاربر لم يكن مجرّد هجوم عسكري، بل نقطة تحوّل في التاريخ الحديث.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]