كأنه انتهى شهر العسل الذي عاشه لبنان، منذ قيام السلطة الجديدة فيه، بين أغلب مكوّناته، ولا سيّما منها تلك التي نعمت بالمكاسب والمواقع، ومع الرعاة الدوليين والإقليميين، قبل تسعة أشهر.
نفد العسل. وبانت التصدعات في "كوّارة" العسل... وليس غير الوقائع شاهد على ما نقول.
رحم الله الفيلسوف الصيني كونفوشيوس الذي كان يقول: "ما همَّني من يضع قوانين الصين، ما دمت أنا من يكتب أغانيها". فهل من أغنية، ولو محوَّرة، تعبّر عما آلت إليه العلاقة بين الرئاستين الأولى والثالثة؟ "وان ما طفيتلو الروشة، بالحكم بيعمل دوشة".
"لم تنته" مفاعيل ما حدث في الروشة وعلى صخرتيها الشهيرتين، في الذكرى الأولى لاستشهاد الأمينين العامين لـ "حزب الله" السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، على حد تعبير رئيس الحكومة نوّاف سلام.
لا أحد يدري لمَ عدَّ دولته إضاءة الصخرتين بصورتَي الراحلين، استفزازاً له، أو انتقاصاً من مقامه، تينك الصخرتين اللتين أضيئتا مراراً، قبلاً بصور لزعماء محليين وأجانب؟
ولمَ صوَّر محيطُه ومؤيدوه تلك الخطوة استهدافاً لبيروت، كأنَّ بيروت ليست عاصمة للبنان ولجميع اللبنانيين؟
ولمَ أصبحت الحبَّة قبَّة في حسابات السرايا، فكاد ساكنها يعتكف، وأقفل خطه، وألغى مواعيده، في حين كانت الإضاءة ستمرّ في لحظات، ولن تحفر أي صورة على الصخرتين إلى الأبد؟
ولمَ "طلعت فشّة الخلق" بالجيش والقوى الأمنية التي لم تردع من خالف الأوامر؟ وإذ أصرّ رئيس الحكومة على سوق المخالفين إلى القضاء ومحاسبتهم، قلّد رئيس الجمهورية جوزاف عون قائد الجيش رودولف هيكل أرفع وسام.
التقى الرئيسان، وتصارحا، وعلى الرغم من ذلك، "لم تنته" القصة بعد، في قاموس سلام الذي كما يعرف الجميع، لم يكن الخيار الأول لرئاسة حكومة العهد الأولى، ولم يشعر اللبنانيون بحرارة العلاقة بين الرئيسين، وإن اضطرتهما الظروف إلى تسيير الأمور بالتي هي أحسن.
وهنا ظهر التصدّع الأول. عساه لا يتطور إلى ما هو أسوأ.
وما بالنا بالتصدّع الثاني؟
ما معنى أن يطالَع العهد الذي لم يبلغ بعد سنته الأولى، بشعار "إرحل"، ولو على لسان صحافي يُصنَّف في خانة أفرقاء ممثلين في الحكومة، كمؤيد لهم؟ وللتذكير أُطلق هذا الشعار قبلاً، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ورُفع في وجه الرئيس إميل لحود، في سنوات عهده الثلاث الممددة، لكنه بقي إلى آخر يوم من ولايته رئيساً. وواجه الرئيس ميشال عون الشعار المذكور، بعد اندلاع ما سمي بثورة 17 تشرين، حتى بلغ الأمر ببعض من صدقوا أنفسهم ثواراً أن حاولوا اقتحام القصر الجمهوري، فردعهم عن لعبتهم الصبيانية ضابط من الحرس الجمهوري. وبقي الرئيس في القصر حتى آخر يوم من ولايته.
هذا الشعار الذي أطلق أمس، قد لا يكون الأفرقاء الذين يؤيدهم الصحافي وراءه، لكنه يفسّر بدء إعادة نظر بعض هؤلاء الأفرقاء بتأييد العهد والرئيس، خصوصاً أنهم يحثونه، ليل نهار، على حسم مسألة حصرية السلاح، ونزعه من يد "حزب الله"، أمس قبل اليوم، مع إبداء ملاحظاتهم غير الإيجابية على خطة الجيش التي عُرضت على مجلس الوزراء، على أن يقدّم الجيش تقريره الأول في شأنها الإثنين.
وللتذكير فبعض هؤلاء الأفرقاء لا كانوا من الراغبين في انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً، وعملوا حتى اللحظة الأخيرة، على "قطع الطريق" على وصوله إلى قصر بعبدا، وفق التعبير الذي استخدمه أحدهم وقتذاك، ولا كانوا من مؤيدي اعتلاء نوّاف سلام سدة الرئاسة الثالثة، لكنهم سمّوه ودخلوا حكومته "مبسوطين".
وأما التصدّع الثالث، فيتمثل بقرب نفاد صبر الرعاة الدوليين على العهد والحكومة، ممّا يعدّونه مماطلة في نزع السلاح، ليُحصر في يد الشرعية. فهم حدّدوا مهلة لا تتجاوز آخر السنة الجارية، لتطبيق كل مفاعيل القرار الرقم 1701. فلا هم راضون عن موقف رئيس الجمهورية في نيويورك، لجهة حرصه على السلم الأهلي، ولا على الحوارات التي يجريها مباشرة أو عبر موفدين وممثلين عنه مع "حزب الله"، ولا على أداء الجيش والقوى الأمنية، لا بل ذهب أحد هؤلاء الرعاة إلى التلميح إلى أن تسليح الجيش يجب أن يكون لضرب الداخل.
صبر الرعاة ينفد لأن من وضعوا ثقتهم بهم من أفرقاء الداخل، ما كانوا على قدر الوعود التي قطعوها لهم، بالقدرة على الانتهاء من حالة "حزب الله".
وأخشى ما يخشاه كثر أن تعود آلة الحرب الإسرائيلية إلى العمل على أرض لبنان، بضوء أخضر من هؤلاء الرعاة، لأن العسل الذي قام بينهم وبين أفرقاء الداخل نفد، وشهره انتهى، أو يكاد ينتهي.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]