بفشل اجتماع الخماسية الدولية الإتفاق حول بيان موحّد حول الأزمة الرئاسية يكون الملفّ الرئاسي قد عاد أدراجه إلى نقطة الصفر.
ختمت الدول المشاركة المبادرة الفرنسية بالشمع الأحمر وفوّضت قطر أن تسوّق من خلال موفدها لترشيح جديد. تجمّعت عناصر فشل الإجتماع بدءاً من مستوى التمثيل إلى اقتصار اللقاء على نصف ساعة تخلّلها مشاركة سريعة لممثل السعودية، ثم كلام قاس للموفد الاميركي حيال فرنسا، لاذت في أعقابه كلّ من مصر وقطر بالصمت. وُضعت فرنسا في قفص الإتهام على اعتبار أنّ مبادرتها استغرقت ما يكفي من الوقت لتثبت فشلها.
قلبت الخماسية صفحة الفرنسي، وبدأت وساطة جديدة مع قطر التي كانت انطلقت منذ مدّة بالعمل على تسويق ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون.
بدل أن تساعد في وضع حدّ لها، أصابت لوثة الانقسام اللجنة الخماسية، فصار الرأي فيها رأيان، وانتهت مفاعيل عملها. فليس معروفاً في أعقاب ما شهدته نيويورك مصير زيارة الموفد الفرنسي إلى لبنان ولا مصير الحوار الذي يعتزم رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة إليه ربطاً ببيان الخماسية.
عود على بدء، يدخل لبنان مرحلة انتظار جديدة. وعودة لم تعد مؤكّدة لموفد فرنسا الرئاسي جان ايف لودريان، تعقب اجتماعاً فاشلاً للجنة الخماسية. اختلاف الدول حول مقاربة ملفّ الرئاسة في لبنان دفعها إلى الخلاف، وأعاق صدور البيان الختامي. كلّ دولة تريد بياناً على قياس طموحاتها. تريده أميركا أكثر تشدّداً وتساندها السعودية ومصر، بينما تعيد فرنسا تأكيدها على الحوار وتستعدّ قطر لنيل فرصتها في المحاولة.
يعني فشل التوافق في الخماسية استمرار التعطيل في الملفّ الرئاسي اللبناني واستبعاد انتخاب رئيس في الفترة القريبة، ويعني أيضاً استمرار المواجهة بين المعارضة والموالاة وليس معلوماً كيف سيكون عليه الحوار الذي يعمل لأجله رئيس مجلس النواب ومن سيلتزم به.
تبدّلت الأدوار وبدل أن تدعم فرنسا مبادرة برّي، تحوّل رئيس المجلس إلى رافد لدور فرنسا ومنقذه من الفشل. خلال زيارته الأخيرة لم يجد لودريان ما يقوله لمن التقاهم إلّا التأكيد على حوار بري وإلّا فإبحثوا عن حلّ. كلامه لم يكن له الصدى الكبير، فغادر واعداً بالعودة لبلورة الحوار والتمهيد له رافضاً اقتراح ترؤسه بنفسه تلافياً لتسجيل فشل جديد لبلاده وغرق أكبر في المستنقع اللبناني.
على عكس المأمول جاءت نتائج لقاء الخماسية على هامش اجتماعات نيويورك. عارضت السعودية دعوة الحوار واعتبرتها مضيعة للوقت ودعت إلى اانتخاب رئيس كي يبنى على الشيء مقتضاه وتحدّد من خلال الرئيس المنتخب مستوى تعاملها مع لبنان. في حين دعت مساعدة وزير الخارجية الأميركية إلى وضع حدّ لمسعى فرنسا، واعتبرت أنّ الفرنسيين نالوا فرصتهم وليتم البحث عن صيغة ثانية. قبل يومين وخلال زيارته سمع النائب وائل أبو فاعور كلاماً صريحاً من سفير المملكة في لبنان غير مؤيّد لحوار لا لزوم له.
وبناء على الأجواء المحمومة في نيويورك باتت عودة لودريان بلا جدوى وكذلك حوار بري الذي باتت الدعوة إليه مدعاة تشكيك بالنظر إلى الفيتو المسيحي الماروني على وجه الخصوص.
يعطي فشل الخماسية حزب الله حجة إضافية للتأكيد على أنّ الحلّ للملفّ الرئاسي يجب أن يكون داخلياً ومن خلال الحوار، معوّلاً على نتائج حواره مع رئيس التيار الوطني الحر، وأن كان مثل هذا الحوار يتطلّب وقتاً طويلاً ولكن العبرة في النتائج.
خلال استقباله الموفد الرئاسي الفرنسي لم يبنِ حزب الله كثير أمل أو يغدق بالتفاؤل لعلمه أنّ زيارته جاءت إلحاقاً بالدور الأميركي والقطري واثبات وجود.
يلاحظ حزب الله وجود لغتين عند الفرنسيين، لغة لودريان المدعوم من برنار ايميه الذي يقول أنّ فرص ترشيح جهاد ازعور وسليمان فرنجية باتت معدومة ولنبحث عن خيار ثالث. اللغة الثانية هي تلك السائدة في قصر الصنوبر والتي يلتزم أصحابها بالمبادرة الفرنسية الأولى أي رئاسة الحكومة مقابل رئاسة الجمهورية.
يستقبل حزب الله الفرنسيين وغيرهم يستمع إلى طروحاتهم وتبقى خياراته ذاتها
ثلاث لقاءات أو "مصادفات اجتماعية" وضعوا ترشيح فرنجية في مهبّ التحليلات. زيارة لودريان إلى حارة حريك ولقائه النائب محمد رعد، لقاء رعد قائد الجيش العماد جوزف عون في لقاء اجتماعي لعيادة صديق مشترك، وزيارة رعد الى بنشعي ولقائه فرنجية. فماذا في حيثية كلّ لقاء وما جرى خلاله:
أخذ لودريان موعداً فلبّى حزب الله وقابله النائب محمد رعد وإن كان ليس الشخص المخوّل نقاش هذا الملف مع الفرنسيين، لكن لودريان فضّل أن يقابل شخصية برلمانية وليس أيّ شخصية أخرى مثار جدل أو حولها عقوبات. لم ينتهِ اللقاء إلى نتيجة جديدة غير تأكيد حزب الله على المؤكّد في ما يتعلّق باستمرار دعمه سليمان فرنجية، ولم يلقَ اقتراحه بالمرشّح الثالث كثير تقدير، بل قفز فوق ما سمعه ليشدّد لحليفه الاستمرار في ترشيحه.
جوزف عون وحزب الله
لا تنكر مصادر قريبة سعي قائد الجيش منذ فترة للتواصل مع حزب الله. صودف أنّ قريباً له وهو صديق للنّائب رعد خضع لعملية جراحية. طلب رعد عيادته ففاتحه بزيارة قائد الجيش. ربّ زيارة يمكن تحويلها إلى فرصة لضرب عصفورين بحجر. زكزكة الحليف جبران باسيل، وإيصال رسالة للأميركيين. وهكذا حصل، اجتمع الضيفان في منزل الصديق المشترك وتبادلا الحديث عن جملة ملفات، من بينها مسقبل قيادة الجيش والقائد الجديد وعمل اليونفيل وقرار مجلس الأمن، ثم عرجا على الملفّ الرئاسي، فأكّد قائد الجيش أنّ ترشيحه لن يكون وإن ساندته الدول، ما لم يتوافق مع حزب الله.
الوقوف على خاطر فرنجية
يؤكّد حزب الله أنّ موعد زيارة رعد إلى بنشعي كان مقرّراً قبيل لقاء لودريان ورعد، وقبل لقاء الأخير مع قائد الجيش. اتّفق بشأنه على هامش مناسبة اجتماعية فلبّى رعد دعوته إلى الغداء. وعلى الهامش حضر اللقاءان مع لودريان وقائد الجيش وما تمّ بحثه خلالهما. وضّح رعد موقف حزب الله من ترشيح قائد الجيش ومن طروحات لودريان مؤكّداً على السير بدعم ترشيحه حتّى النهاية.
الحديث في السياسة والرئاسة على وجه التحديد حصل في اللقاءات الثلاثة معا. رغم كلّ ما قيل ويتردّد يرفض حزب الله الدخول في نقاش حول الخيار الثالث رئاسياً. يصرّ على المضيّ بدعم حليفه ويعيد التأكيد أنّه ومنذ الإجتماع الأول مع باسيل طرح عليه الأمين العام ورقة من عشرة أسباب تبرّر دافع الإلتزام بترشيح فرنجية فكان جوابه باستحالة الإلتزام به.
حجم العقبات التي تعترض ترشيح فرنجية لا تلغي نظرة حزب الله وقراءته للموضوع من ناحية مختلفة عن الآخرين. من جهته فإنّ جلسة الانتخاب الأخيرة وضعت فرنجية على أبواب بعبدا، وإذا نجح الحوار مع رئيس التيار الوطني الحر فيمكن مضاعفة حظوظه فيبلغ غرفة التشريفات مباشرة.
لكنّ مشوار الحوار طويل في وقت استنفدت فيه المساعي ولم يبق إلّا التعطيل والمراوحة. يرى مصدر وزاري إنّ فشل اجتماع الخماسية يعني أنّ الرئاسة صارت في خبر كان وأنّ الاتّفاق بات بعيداً وبعيداً جدّاً.