تشهد الأزمة المتجددة بين الهند وباكستان تصعيدًا جديدًا لا يمكن اعتباره حدثًا طارئًا، بل هو حلقة إضافية في صراع كامن، أشبه بنار تحت الرماد، قد تشتعل في أي لحظة بسبب حادث بسيط. هذا النزاع متجذر في التاريخ المشترك للبلدين، ويتداخل فيه البعد الاجتماعي والسياسي والديني، ويتركز أساسًا حول الخلاف الإقليمي العميق بشأن منطقتَي جامو وكشمير.

فيما تعتبر الهند منطقة جامو وكشمير جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، ينظر إليها الجانب الباكستاني من زاوية حق تقرير المصير للشعب الكشميري، متهمًا نيودلهي بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. وبينما تطالب إسلام آباد بتدخل دولي وتفعيل دور الأمم المتحدة في الوساطة، تصر الهند على حصر الحوار في إطار مفاوضات ثنائية ترفضها باكستان حتى الآن.

وفي الداخل الكشميري، تنقسم الآراء بين جزء من السكان يدعو للانضمام إلى باكستان، وآخر يطالب بالاستقلال أو على الأقل بالحكم الذاتي ضمن السيادة الهندية. وفي ظل وجود الميليشيات المسلحة من جهة، والقوات النظامية من جهة أخرى، يعاني السكان من ظروف معيشية صعبة، جعلت من الحياة الاقتصادية في المنطقة شبه مستحيلة.

فرص التسوية

في ظل غياب أي وساطة فاعلة، لا يبدو التوصل إلى تسوية سلمية أمرًا واقعيًا في المدى المنظور. ولا بد من اتفاق بين الطرفين على إطلاق مسار حواري مباشر أو غير مباشر، إلا أن هذا السيناريو يبقى احتمالًا طويل الأمد.

أما على المدى القصير، فقد تساهم الجهود الدبلوماسية في تهدئة الأجواء، وتهيئة الأرضية لمراجعة المواقف، وربما التوافق على منح الشعب الكشميري حق اختيار نظام الحكم الذي يريده.

العقبة الأساسية أمام هذا المسار تتمثل في المدّ القومي المتشدد لدى الهند، ورفضها القاطع لأي حل يستند إلى إرادة الكشميريين. في المقابل، تدافع باكستان عن مبدأ تقرير المصير انطلاقًا من خلفيتها التاريخية، إذ نالت استقلالها عن الهند.

لكن التحدي الأبرز يبقى في الانقسام الداخلي داخل كشمير نفسها، إذ لا توجد رؤية موحدة لدى سكانها بشأن مستقبلهم السياسي.

عوامل ضغط

على الجهة المقابلة، تبرز عوامل قد تساهم في الدفع نحو مخرج سلمي، وأبرزها الأزمات الداخلية التي يواجهها البلدان: ارتفاع معدلات البطالة، وتضخم الأسعار، والفساد، وسوء إدارة الموارد الطبيعية. كما أن شعوب البلدين تعاني من الإنهاك، وهناك ضغط متزايد من الأجيال الجديدة يدعو إلى كسر حلقة النزاعات، وإعلاء صوت التنمية والرفاه، واعتماد مقاربات حديثة للسلام تحلّ مكان الشعارات القومية الصدامية.

وكانت بعض الدول القريبة من الجانبين قد حاولت في عام 2021 فتح قنوات للحوار، لا سيما من خلال تشجيع التبادل التجاري، في خطوة تهدف لتعزيز المصالح الاقتصادية المشتركة. وتواصل الولايات المتحدة والصين وعدد من الدول الخليجية الضغط لاحتواء التصعيد.

ويبقى العامل الأهم في منع اندلاع مواجهة واسعة هو الردع النووي. فحتى الآن، لم تُستخدم سوى الأسلحة التقليدية، فيما تظل منظومات الدفاع الجوي في حالة تأهب دائم، وسط استعراض مستمر للقوة من الطرفين.

ورغم التصعيد اليومي في التصريحات والمواقف، إلا أن الهند وباكستان تحرصان، حتى اللحظة، على إبقاء النزاع ضمن حدود السيطرة، وتجنّب الانزلاق نحو حرب شاملة.