ماذا يحصل إن ذهب الجميع إلى معركة انتخابية تنافسية بين المرشحين الرئاسيين سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزيف عون؟

سؤال يُطرح على افتراض أنّ دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه برّي إلى الحوار ستتمّ تلبيتها وستنتهي إلى فتح قاعة المجلس لجلسات اقتراع متتالية حتّى انتخاب رئيس. أو أنّه ولو من دون حوار أو تشاور سيتمّ التوافق في نهاية المطاف على تحديد موعد جديد لانتخاب رئيس، يؤمل أن تلتزم الكتل النيابية بعدم تطيير نصاب الجلسة وصولاً إلى انتخاب رئيس ينهي حالة الشغور في قصر بعبدا، ويفتح الباب أمام تسمية رئيس للحكومة يتمّ تكليفه بتشكيلة وزارية بالتشاور مع رئيس الجمهورية، تضع بيانها الوزاري وتنال على أساسه الثّقة في المجلس النيابي. ويبدأ من بعدها مسار ملء الشغور والتعيينات وإطلاق عجلة النهوض بالبلاد.

هذا السيناريو المتخيّل أو المرتجى يتطلّب الإجابة على التساؤلات الآتية:

ـ أولاً، هل "التيار الوطني الحر" سيؤيّد فرنجية ملتحقاً بمؤيديه، أي"الثنائي الشيعي" وحلفائه من كتل ونوّاب آخرين؟ أم أنّه سيدخل في صفقة مع مؤيدي ترشيح عون من كتل نيابية ودول، مستمراً في موقفه المعارض لفرنجية معتبراً نفسه أنّه يختار بين "السيّء" و"الأسوأ"؟ فهذا الأمر يبقى رهناً بحقيقة موقف التيّار لجهة هل أنّه يعتبر فرنجية هو "السيّء" وأنّ عون هو الأسوأ أم العكس، خصوصاً وأنّه يعلن منذ البداية رفضه كليهما؟

ـ ثانياً، هل أنّ "القوات اللبنانية"وحلفائها من حزب كتائب وتغييريين وغيرهم تؤيّد فعلاً ترشيح عون، وهم الرّافضون جميعاً وبشدّة أيّ مرشّح لما يسمّونه "فريق الممانعة" آخذاً بمقولة رئيس حزب "القوات" الدكتور سمير جعجع "على بعبدا ما بيفوتوا"؟ أم أنّهم يرفضون عون وفرنجية في آن معا ويدفعون إلى خيار ثالث في اعتبار أنّ ما صدر عنهم من تأييد لفظي وخجول لعون منذ الدخول في مدار الاستحقاق الرئاسي قبل أكثر من عشرة أشهر إنّما يستبطن المناورة لإسقاط ترشيح فرنجية وصولاً إلى ما يسمّونه "الرئيس السيادي" والذي هو غير قائد الجيش لأنّه بين الأخير وبعضهم "ما صنعه الحدّاد" في ما مضى من سنين؟ وإلى أيّ مدى يمكن هذا الفريق أن يذهب في اعتراضه على فرنجية أو عون خصوصاً إذا كان يعاكس رغبة رعاته الإقليميين والدوليين؟

ثمّة من يقول أنّ "القوات" والكتائب وكلّ خصوم "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل لن يتردّدوا في تأييد عون ليس اقتناعاً به، وإنّما لاعتقادهم أنّ وصوله إلى الرئاسة سيحدث "زلزالاً سياسياً" يزلزل بالتيار الذي سينقسم محازبوه في هذه الحال بين قائد الجيش وباسيل، خصوصاً في ظلّ ما ينقل عن أوساط الرئيس ميشال عون وباسيل من إنّ قائد الجيش "خذلهما" في عدد من المحطّات خصوصاً أيام ثورة 17 تشرين 2019.

هل أنّ "الثنائي الشيعي" وحلفاءه المتمسّكون بدعم ترشيح فرنجية سيتمكّنون من استمالة "التيّار الوطني الحرّ" وكتلة "اللقاء الديموقراطي" ومجموعة من النواب السُنّة إليهم؟ 

ـ ثالثاً، هل أنّ "الثنائي الشيعي" وحلفاءه المتمسّكون بدعم ترشيح فرنجية سيتمكّنون من استمالة "التيّار الوطني الحرّ" وكتلة "اللقاء الديموقراطي" ومجموعة من النواب السُنّة إليهم؟ أم أنّهم سيذهبون إلى دعم ترشيح قائد الجيش إذا شعروا أنّ هناك صعوبة في تأمين فوز فرنجية.

ـ رابعاً، هل سيوحي النّائب السابق وليد جنبلاط إلى "اللقاء الديموقراطي" لتأييد فرنجية، منسجماً وتحالفه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وتنسيقه مع "حزب الله"، خصوصاً إذا أيّد "التيار الحر" فرنجية بما يلبّي الشرط الجنبلاطي تأمين "الميثاقية المسيحية" لترشيحه حتى ينتخبه "اللقاء الديموقراطي"؟ أم أنّ جنبلاط سينسجم أو يتماهى مع ما توحي به غالبية أطراف "الخماسية" المؤيدة لعون؟

على أنّ ثمّة من يقول في هذا السياق أنّ الساحة الداخلية مقبلة على خريطة تحالفات سياسية جديدة مستقبلاً سواء انتخب فرنجية أو عون، ما يؤشّر إلى أنّ المعركة الكبرى، أو "أمّ المعارك" السياسية ستكون على الحكومة الجديدة التي قد لا يكون تأليفها متيسّراً بالسّرعة المأمولة، فاختيار رئيس الحكومة سيكون سهلاً على الفريق الذي سيفوز مرشّحه الرئاسي، ولكنّ الاكثرية التي أنتجت هذا الرئيس لن يكون سهلاً عليها التفرّد بتأليف حكومة من لون واحد أو من مجموعة ألوان.

ـ خامساً، في حال رجحت الكفّة لمصلحة قائد الجيش، كيف سيتمّ تأمين المخرج الدستوري لانتخابه؟ فهل سيتمّ تجاوز الدستور كما حصل عند انتخاب الرئيس ميشال سليمان عام 2008 إثر "مؤتمر الدوحة" الشهير في قطر؟ أم سيتمّ اللجوء إلى التعديل المطلوب وفق الأصول الدستورية؟ وهل سيتمّ توافر أكثرية الثلثين المطلوبة للجلسة النيابية لإجراء هذا التعديل؟ وكيف سيتمّ عقد جلسة نيابية لأجل ذلك؟ وهل سيتوافر ذلك بسهولة خصوصاً وأنّ هناك مواقف لرئيس مجلس النواب وآخرين تشدّد على أنّ تجربة انتخاب سليمان لن تتكرّر؟

ـ سادساً، هل يمكن أن تحصل تطوّرات ما على الصعيدين الإقليمي والدّولي ترجّح كفّة فرنجية، من مثل حصول تواصل مباشر بين السعودية وحزب الله على خلفيّة الملفّ اليمني، بما يدفع الرياض إلى التماهي مع خيار "الثنائي الشيعي" وحلفائه الرئاسي في موازاة صيرورة اليمن إلى حلّ ينهي الحرب اليمنية إلى غير رجعة؟ وكان اللافت في هذا الصدد وجود وفد حوثي في الرياض هذه الأيام بناءً على نصيحة إيرانية للجانبين بوجوب التفاوض المباشر بينهما للاتفاق على حلّ شامل.

ـ سابعاً، ماذا سيكون موقف "النوّاب السنّة" بعد اللقاء الذي انعقد بينهم وبين الموفد الفرنسي الرئاسي جان ايف لودريان عند السفير السعودي وليد البخاري الذي دعاهم إلى هذا اللقاء، وهو العائد من اجتماعات باريس السعودية ـ الفرنسية التي تناولت الملف الرئاسي اللبناني حصراً.

وقال أحد النواب الذين شاركوا في اللقاء مع البخاري ولودريان، أنّه خلافاً لما أشاعه البعض، إنّ السفير السعودي لم يطلب من هؤلاء النواب اعتماد أيّ خيار، مؤكّداً أنّ بلاده على موقفها من أنّ الاستحقاق الرئاسي شأن لبناني داخلي لا تتدخّل فيه، وأنّ على اللبنانيين الاتّفاق على إنجازه وهي ستدعم كلّ ما يتّفقون عليه. وشدّد البخاري ومعه لودريان على أنّه في ظلّ عجز كلّ من الفريقين السياسيين المتنافسين عن إيصال مرشّحه ينبغي ذهاب الجميع إلى الاتّفاق على آليّة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي عبر الحوار، وقال أنّه "إذا كان البعض يتحسّس من كلمة "حوار" فليسمّوا الأمر "تشاوراً".. ونحن نساعد في الاتّجاه الذي يؤدّي إلى الاتّفاق".

من هنا لا بدّ من الإجابة على هذه التساؤلات للبناء على مسار الأمور وخواتيمها. فإمّا نكون أمام انتخابات ورئاسة وحكومة واصطلاح لعمل المؤسسات أو أن الأزمة مستمرّة إلى مطلع العام المقبل.