لم يعد بين حزب الله والتيار مجال للحوار. شرْط حزب الله على التيار صعب، وشرْط التيّار على الحزب أصعب. كباش لا حلّ له حالياً، وهو كفيل بتعميق أزمة الرئاسة وتهديد البلد بأكمله. عند هذه المرحلة تعقّدت العلاقة، فجاء من يلعب على وتر تفرقة التيار، فخرج من رحم تكتّل لبنان القوي الذي يرأسه باسيل أكثر من مبادرة وموقف، ظهر التباين في وجهات النظر بينه وبين نواب تكتّله.

يتجنّب التيار الوطني الحر خوض النقاش حول علاقته مع الحليف الذي اجتمع معه تحت سقف تفاهم مار مخايل. التفاهم لم يعد له مكان، وتطويره مستبعد حيث الأولوية للاتفاق على الملفّ الرئاسي. لذا لا أهمية للحديث عن علاقة لا تزال سلبية، تسودها قطيعة ولم تنجح المحاولات في معالجتها. يشوب العلاقة خلاف كان في بدايته حول مقاربة بناء الدولة ومكافحة الفساد، ثم تدرّج ليصبح حول مقاربة رئاسة الجمهورية والشراكة التي يعتبر التيار أنّ حليفه الشيعي ضربها في العمق ساعة رشّح سليمان فرنجية، ودعا للنقاش بشأنه على قاعدة إمّا سليمان أو الفراغ من دون أدنى إعتبار للمعارضة المسيحية.

لا يفوّت حزب الله مناسبة إلا ويخرج بلغة التهديد والوعيد لمن يعنيهم الأمر بأنّ ترشيح فرنجية نهائي، ولا عودة عنه وعلى المعارضين أن يتأقلموا مع الواقع. وأبعد من ذلك يعبّر التيار عن بالغ استيائه من العبارة التي درج حزب الله على تردادها في مجالسه من أنّه ولحظة الجدّ سيستدعي باسيل إلى بيت الطاعة.

متّهم حزب الله من قبل التيار بضرب مبدأ الشراكة، ولا يضعها في إعتباراته ولا يراعيها تجاه حليفه، خرج عليه يقول نحن نقرّر عنكم وعليكم التسليم بترشيح فرنجية لاعتبارات إستراتيجية.

أحرج الحليف حليفه وأجبره على الإبتعاد بحيث لم يعد يفيده التنازل عن موقفه إزاء ترشيح فرنجية، وهو ليس بالوارد من الأساس. افترق جبران باسيل عن حزب الله وصوّب بإتجاه المعارضة بموازاة حواره مع القوّات اللبنانية، ومع كليهما لم يذهب بافتراقه بعيداً لرفضه أيّ مرشح رئاسي يشكّل تحدّياً لحزب الله أو لا يحظى بموافقته. وحين وجد صعوبة في تراجع الحزب عن فرنجية، حرّك باسيل محرّكاته باتّجاه فرنسا والفاتيكان، متمنّياً العمل على عدم انتخاب رئيس من دون الوقوف على رأي المسيحيين. فحصد من جولته هدفين، الأوّل وهو كسر عزلته السياسية، والثّاني تأمين إجماع دولي حول الرفض المسيحي لفرنجية.

حزب الله المراقِب بصمت انفتاح المعارضة والقوّات على باسيل وكسر عزلته، لا يزال يتعاطى بمرونة مع رئيس التّيّار ولم يسلّم بالقطيعة معه بعد.

 شرطه للتّلاقي لا يزال هو ذاته، إدراج فرنجية ضمن لائحة المرشّحين للنّقاش بشأنه، وإلّا فلا موعد أو لقاء، ثم عاد وطرح إمكانية أن يؤمّن تكتّل لبنان القوي نصاب جلسة الانتخاب دون أن ينتخب فرنجية، فرفض باسيل الطّرح من أساسه.

لم يعد بين حزب الله والتيار مجال للحوار. شرْط حزب الله على التيار صعب، وشرْط التيّار على الحزب أصعب. كباش لا حلّ له حالياً، وهو كفيل بتعميق أزمة الرئاسة وتهديد البلد بأكمله. عند هذه المرحلة تعقّدت العلاقة، فجاء من يلعب على وتر تفرقة التيار، فخرج من رحم تكتّل لبنان القوي الذي يرأسه باسيل أكثر من مبادرة وموقف، ظهر التباين في وجهات النظر بينه وبين نواب تكتّله.

مبادرة بوصعب

كان أوّل المغردين خارج السّرب عضو تكتّل لبنان القوي نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، الذي أطلّ بمبادرة لم تكتمل عناصر نجاحها بعد. كان يطمح إلى تأمين موافقة رؤساء الكتل النيابية على حضور جلسات حوار متفرّقة لمناقشة المواضيع المختلف عليها. أوضح في مقابلته الأخيرة أنّه يتحرّك بصفته الشخصية كنائب رئيس مجلس النواب، وليس كعضو في تكتّل لبنان القوي أو أن يكون من التيار الوطني الحرّ، بل يشدّد على تمايزه عن التكتّل والتيّار معاً.

آلان عون خارج السرب

ثاني المبادرات تلك التي تلفّظ بها النائب في التكتّل وعضو التيار الوطني الحر آلان عون، الذي اقترح تسمية مرشّح من التكتّل غير باسيل ليحرج بذلك حزب الله والمعارضة، داعياً إلى فتح النّقاش حول الاقتراح، لولا أنّ بيان الهيئة السياسية في التيار وضع الأمور في نصابها، فلم يحصل تبنّي لمبادرة عون، بل أعادت الهيئة التّأكيد على أهمّية التوصل "إلى مرشح غير مستفزّ، ولا يتحدّى أحداً، فيكون جامعاً على الصعيد الوطني وتتوفر فيه ما حدّده التيّار في ورقة الأولويات الرئاسية".

أطلق آلان عون مبادرته بينما كان باسيل في الخارج، ويُقال أنّ حفلة تأنيب أقامها باسيل على مرأى ومسمع التكتّل واضعاً الأمور في نصابها. وداخل التيار من انتقد كلام عون ورفضه، لأنّ للتيار رئيس يتحدث باسمه التزاماً بالنّظام الداخلي، ومن يريد أن يتحدّث ويدلي بدلوه فرأيه لا يلزم التيّار أو التكتّل، وبهذا المعنى فلا توجد مبادرات خارج ما يعلنه رئيسه.

سقطت مبادرة عون بالضّربة القاضية وفي مهدها لسببين:

- الأوّل كونه غير مخوّل التّحدث باسم التيار.

- والثّاني، إذا كان من مرشّح من داخل التكتّل والتيار فهو رئيسه، وليس أيّ شخص آخر ولا شيء إسمه مقبول أو غير مقبول، ولا أحد يحدّد المقبول من عدمه إلّا المعني بالأمر.

ورغم ذلك استمرّ عدد من نوّاب التكتّل في التماهي مع مبادرة عون، والحديث الجدّي عن ترشيحات من التكتّل وكان آخرها من النائب أسعد درغام الذي رأى في حديث متلفز أنّ ترشيح "النائب ابراهيم كنعان لا يستفزّ الثنائي الشيعي، ولديه علاقات طيّبة مع الجميع، وحقّه الطبيعي عليّ أن أدعمه للوصول إلى الرئاسة".

محاولة لقسمة التيار

اللعب على وتر انقسام تكتّل لبنان القوي بات احتمالاً وارداً في ضوء تواجد تجمع "المتزمّرين" من باسيل ممن لا يجرؤون على إعلان تذمّرهم. هم يحضرون اجتماعات التكتّل ويتماهون مع قراراته، لكنّهم غير راضين عن رئيسه. في تقييم حركتهم تقول مصادر التيار "لا تملك هذه المجموعة مشروعاً ولا قدرة لها على تظهير أيّ عمل. مجرّد حرّية تعبير دفعتهم للإدلاء بآرائهم ويتم الإنصات لهم، ولكن في نهاية المطاف فالقرار يخضع للتّصويت والقرار في نهاية المطاف للرئيس، مع العلم أنّ مجموعة الإمتعاض هذه ليست صوتاً واحداً فلكلٍّ منها أسبابه".

عليهم يعوّل الثنائي في عمليته الحسابية لتأمين النّصاب لجلسة انتخاب فرنجية. فهل يمكن لهؤلاء الخروج من التكتّل لتشكيل حيثيّة خاصّة بهم بعيداً عن باسيل؟

المطّلعون على أوضاع التيّار عن قرب يستبعدون أن تنجح أية محاولة لشقّ صفّ التكتّل أو التّعويل على خروج عدد من النوّاب عن التوجّه العام لرئيس التكتّل. بالتجارب ثبت أنّ كلّ من يبتعد عن التيّار ينتهي عملياً، بدليل من خرج من قبل وأعدادهم ليست قليلة. وإذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يعوّل على شقّ الصفوف داخل التكتّل، فإنّ حزب الله قد لا يرضى استبدال باسيل بآخرين ممن لا حيثية شعبية لهم خارج التيار. عدا عن موقف الرّئيس المؤسّس الجنرال ميشال عون الذي قد لا يتردّد في رمي الحرم السياسي على من يخرج من تحت عباءة باسيل.

بين التيار وحزب الله قصّة لم تنته فصولها بعد. كلاهما مصمّم على عدم الافتراق، لكن تلاقيهما صعب إلى أن يجد فرنجية صعوبة في وصوله إلى بعبدا فينسحب، ويوفّر مشواراً من الخصومة، أو يدخل عامل التسوية لصالح مرشّح متفق عليه يسلّم الكل بوجوده.

الأيام المقبلة ستفصح عن مزيد من اللقاءات المتصلة برئاسة الجمهورية، سواء في لبنان أو خارجه، بعضها سيكون في فرنسا التي أبلغت باسيل صراحة إستمرارها  بالعمل لصالح فرنجية، طالما لا مرشّح ثاني بالمقابل.