هي الذكرى الثانية لـ "طوفان الأقصى". هي العملية التي قصدت منها "حماس" كسر المعطيات الإقليمية والدولية وإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعدما خبا وهجها بفعل الانقسام الفلسطيني وعدم الاهتمام العربي، وانسداد الأفق الدولي ورفص الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مناقشتها أو حتى الاعتراف بها. وهي العملية التي استغلها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للتخلص ليس فقط من حماس، بل من القضية الفلسطينية برمّتها، والعمل لاحقاً على "تغيير وجه الشرق الأوسط" منذ قراره تغييرَ استراتيجيته وتحقيق الأهداف العميقة لليمين الإسرائيلي، باغتيال قيادات "حزب الله" وتهجير بيئته.
وسواء أكانت عملية "طوفان الأقصى" عملية صادقة ونبيلة الغاية أم خديعة إسرائيلية مقصودة أو مؤامرة لإيقاع "حماس" في شرك الرد الإسرائيلي، فإنها شكّلت ذريعة لإسرائيل، وبدعم من العالم كله لتطلق عنان قوتها النارية وعنفها وغريزتها التدميرية بدون احترام الاعتبارات الإنسانية. أعطتها ذريعة لمحاولة تهجير الغزّاويين وتحويل غزة إلى منطقة عازلة كي لا نقول منطقة منتجعات سياحية واستثمار خيراتها النفطية والغازيّة بعيداً عن أهلها.
كان معظم اللبنانيين يأملون أن يبقى وطنهم على الحياد؛ إلا "حزب الله" الذي أقحم نفسه في المعركة إسناداً لغزة مستفيداً من اعتقاد عام زائف أنه قادر على الردع الاستراتيجي، فكان ما كان.
لو لم يقحم "حزب الله" نفسه في هذه الحرب، لوفّر على لبنان الدمار وأبعد عن نفسه الكأس المرّة. كان حافظ على قياداته وعناصره وسلاحه وتنظيمه ومؤسساته واستمر مهيمناً على السياسة داخلياً وعلى امتداداته الخارجية. أما وقد أقحم نفسه فإنه استجرّ الويلات وأصبح مضرب مثل في الرهانات الخاطئة والحسابات العوجاء والنكث بالوعود.
إنها الذكرى الثانية للـ "طوفان" والـ "حزب" ما زال في حالة إنكار، ويكرر رفض تسليم سلاحه. عرّى نفسه باتّخاذ قرار ليس له، وعرّى الدولة كاشفاً عجزها. ويقترح أمينه العام على الحكومة أن تكرر كل يوم ما سبق لها فعله، أي التوجه إلى مجلس الأمن وإقناع الدول الصديقة لزيادة ضغطها على إسرائيل، وخطوات أخرى لم تتوان الحكومة اللبنانية عن سلوك دربها. ولكن ما العمل إذ كلّما فتحت الحكومة باباً سدّه "الحزب".
سنتان والقرى مهدّمة والعودة ممنوعة والنازحون يعانون، وما زال البعض يصرّ على تجربة المجرَّب، وعلى عرقلة المساعي الحكومية. وهذا البعض يعرف أنه لن ينال شيئاً ما دام لم يسلّم سلاحه.
المهم في كل هذا هو كيف ستتصرّف الحكومة وهل ستتمكن من أن تبقي على وحدتها أم أن بعض أفرادها سيعودون إلى التصرّفات السابقة.
إذا كانت الحكمة مطلوبة لتجنّب الانقسام والفتنة، فالجرأة مطلوبة أكثر لأن أنصاف الحلول أخطر من اللا حلول. فهي تكرّس أعرافاً جديدة، وتكشف عورة عدم الاتكال على النفس.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]