في عالمٍ تمزّقه الحروب وتُثقل كاهله الصراعات، تبقى جائزة نوبل للسلام رمزاً عالمياً للأمل في مستقبلٍ أكثر عدلاً وإنسانية. فمنذ أكثر من قرن، تتجه أنظار العالم في فصل الخريف إلى العاصمة النرويجية أوسلو، حيث يُعلن اسم الفائز بالجائزة التي حملت، وما تزال، عبق الحلم الإنساني بالسلام.
جائزة نوبل للسلام هي واحدة من خمس جوائز أساسية أوصى بها العالم والمخترع السويدي "ألفريد نوبل" في وصيته الشهيرة عام 1895. وقد خصّ الجائزة للسلام تكريماً للأشخاص أو المؤسسات التي تسهم بجهودٍ ملموسة في إنهاء الحروب أو تعزيز التفاهم بين الشعوب أو الدفاع عن حقوق الإنسان.
ورغم أن بقية جوائز نوبل في الكيمياء والفيزياء والطب والأدب تُمنح في دولة السويد، فإن جائزة "السلام" وحدها تُمنح في النرويج، بناءً على رغبة خاصة من "نوبل" نفسه، الذي أراد أن تكون هذه الجائزة بعيدة عن التأثيرات السياسية في بلاده، وقد منحت لأول مرّة عام 1901.
وراء الجائزة، توجد عملية دقيقة وسريّة تجريها اللجنة النرويجية لجائزة نوبل للسلام، المؤلفة من خمسة أعضاء يُعينهم البرلمان النرويجي. ففي شهر شباط من كل عام، تُغلق اللجنة باب الترشيحات التي تصلها من آلاف الأشخاص حول العالم، من بينهم رؤساء دول وأعضاء برلمانات وأساتذة جامعيون ومنظمات دولية، مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر.
بعدها، تبدأ اللجنة رحلة طويلة من التقييم والدراسة تمتد لأشهر، لتُعلن خلال شهر تشرين الأول اسم الفائز في حدث يتابعه الملايين حول العالم. أما حفل تسليم الجائزة، فيُقام رسميّاً في العاشر من كانون الأول من كل عام في قاعة بلدية "أوسلو"، وهو تاريخ وفاة ألفريد نوبل.
ليست جائزة "نوبل للسلام" هي مجرّد وسامٍ على الصدور، بل هي شهادة للتاريخ بأن الفائز كان صوتاً للإنسانية. لكن الجائزة نفسها لم تخلُ من الجدل، إذ وُجّهت إليها الكثير من الانتقادات حين منحت لشخصيات مثيرة للجدل، أو في أوقات سياسية حسّاسة، ما جعل البعض يرى أن السلام في بعض الأحيان يُستخدم كورقة سياسيّة، لا كقيمة أخلاقية مطلقة. ومع ذلك، تبقى الجائزة منبراً عالمياً لعنوان السلام في العالم. إنها ليست مجرّد تكريم، بل صرخة ضمير في وجه العنف، وتذكير بأن العالم لا يُبنى بالقوة، بل بالتفاهم والحوار.
أما الفائز، فيحصل على ميدالية ذهبية تحمل صورة نوبل وشهادة تقدير رسمية، بالإضافة إلى مبلغ مالي يتغير كل عام بحسب عائدات صندوق نوبل، (بلغ في السنوات الأخيرة حوالي مليون دولار أميركي).
لكن القيمة الرمزيّة تبقى أعظم من أي مبلغ مالي، إذ تُفتح أمام الفائز منابر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ويُصبح اسمه شاهداً خالداً على قدرة الفرد أو المنظّمة في تغيير التاريخ.
باختصار، إن جائزة نوبل للسلام هي مرآة لضمير البشرية، وبين كل فائز وآخر، تمتد حكاية إنسانٍ قرّر أن يُقاوم الكراهية بالأمل، وأن يُثبت للعالم أن السلام مهما بدا بعيداً، يظل دائماً ممكناً. فهل تعتقدون ذلك؟...
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]