الصفا
لا يمكن فصل مجريات الأحداث الملتهبة عن مسار الإنتخابات الرئاسية. في لحظة ما شعر الجميع أن التطورات بدأت تخرج عن السيطرة، وأن البلد بحكم المنهار على مرأى ومسمع الدول الغربية التي لبعضها اليد الطولى في ما تشهده الساحة المحلية. الغريب في ما يحصل هي تلك التقارير الواردة من الخارج والتي تنبّه إلى خطورة الوضع في حال لم ينتخب رئيس للجمهورية في العاجل القريب.
لا أسماء مرشحين جديين بعد. كلها هرطقات وأسماء تطرح على سبيل الحرق. بات الكل يميل إلى أن لبنان في نهاية المطاف لن يشهد انتخاب سليمان فرنجية ولا ميشال معوض. بينما إنتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون، وإن كان خياراً مطلوب العمل لتحقيقه كأفضل الخيارات من الوجهة الفرنسية، لكنه مستبعد من الكلّ تقريباً.
وسط هذا الركود الرئاسي انصرف كل طرف للبحث عن إسم مرشح جديد لفتح الحوار حول احتمالات قبوله مسيحياً في الدرجة الأولى، ومن بقية الكتل النيابية ثانياً. وهذا ما يستشف من حراك القوى السياسية والحوار المستجد بين الإشتراكي والتيار الوطني الحر وحزب الله.
منذ فترة اتّخذ رئيس الحزب الإشتراكي وليد جنبلاط قراره بفتح الحوار مع كل المكونات السياسية دونما إستثناء، بغرض البحث عن مخرج لجلسات الإنتخاب العقيمة في البرلمان والتي تحولت إلى" مهزلة". إنطلق جنبلاط من مسلّمة أن انتخاب الرئيس يجب أن يحظى بموافقة المسيحيين أو كتلة نيابية مسيحية وازنة على الأقل. كلّ ما نشهده اليوم من تطورات دراماتيكية للأحداث سبق ونبّه اليه جنبلاط، الذي إقتنع أن لا جدوى إلّا بالحوار مع الفريق المختلف معه. كل المشهد المربك في القضاء وارتفاع سعر صرف الدولار الجنوني والمخاوف الأمنية والوضع التربوي تثبت نهاية الدولة التي كان قد حذّر منها قبل خمسة أشهر، يوم قرر أن يبادر للحوار مع حزب الله وكان السؤال الذي دار النقاش بشأنه هل يعنينا بقاء الدولة؟ إذا كان يعنينا فعلاً فعلينا أن نتبادل الحديث وأن لا ندفن رؤوسنا في التراب.
[caption id="attachment_3212" align="aligncenter" width="270"]
كل هذه الهواجس يعبر عنها جنبلاط خلال حواراته المستمرة مع كل الأطراف ومن بينها القوات اللبنانية. لا يهمّ إن اعتبر رئيسها سمير جعجع أن العلاقة مع الإشتراكي على القطعة فالأهم وجود تواصل. في موضوع الإستحقاق الرئاسي يعتبر أن الرؤوس الحامية والخطابات المتشنجة وتمترس كل طرف خلف مرشحه يسرّع الإنهيار. الحوار مع باسيل بعد اللقاء الأول الذي عقد بينهما منذ فترة لا يزال قائماً حول المرشح الرئاسي. مقتنع هو أن لا رئيس إلّا بالتوافق الكفيل بتأمين نصاب الثلثين، إذا وصل إلى نتيجة في مسعاه يكون فتح كوّة في الجدار المسدود وإلّا فضميره مرتاح.
العامل الإيجابي في حركة جنبلاط أنها حضّرت الأرضية للنشاط السياسي الحاصل ودخل الكل في تفاصيل الإستحقاق . الخيارات محدودة ولا يمكن أن يستمر كل طرف متمسكاً بمرشحه بينما حظوظ إنتخابه غير متوافرة، لذا لا بد من إستحضار أسماء لمرشحين جدد يتم النقاش بشأنها. لا يدّعي الإشتراكي أن مثل هذا العمل يقوم به وحده، ولكن هو يستكشف مقدار نجاحه في مساعيه. ما يؤكد عليه الإشتراكي وفق الأجواء التي ترشح عنه أن الإستمرار بحصر الترشيحات برئيس تيار المرده سليمان فرنجية والنائب ميشال معوض لن يوصل إلّا إلى التعطيل، فلما لا يتم التقدم خطوة إلى الأمام بطرح رئيس تسوية .
يرفض جنبلاط انتخاب رئيس من دون موافقة كتلة نيابية من الكتلتين المسيحيتين الأساسيتين في البرلمان وهو صارح الثنائي الشيعي بهذا الأمر سائلاً هل كان يمكن أن يرضى لو انتخب رئيس مجلس نواب من دون موافقة كتلة من كتلتيه النيابتين أو كلاهما؟ منطق يستوجب تطبيقه على المسيحيين في إنتخابات رئاسة الجمهورية، ولا مانع من إنتخاب رئيس بأغلبية 65 صوتاً، وقد ينتخب بأقل لكن المشكلة في نصاب الثلثين وفي إنتخاب رئيس يحظى بتوافق مسيحي.
إنتخاب سليمان فرنجية غير وارد في قاموس الإشتراكي الذي يتعامل بجدية مع فكرة مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس النيابية، في حال كانت الجلسة التي سيدعو اليها رئيس المجلس نبيه بري شبيهة بسابقاتها، وأقرب إلى الهرطقة منه إلى إنتخاب رئيس.
جنبلاط أبلغ باسيل رفضه السير عكس الإرادة المسيحية العامة، وأنه مقتنع في قرارة ذاته أن لا حظ لميشال معوض، وهو لن ينتخب فرنجية ويجب البحث عن رئيس يرضي اللبنانيين جميعاً. وتنقل أجواء الإشتراكي أن جنبلاط تمنّى على رئيس التيار طرح أسماء ليتم التوافق بشأنها مع بقية الكتل لمغادرة دائرة الجمود.
من ناحيته يتحدث التيار الوطني عن حوار إيجابي مع جنبلاط الذي "يتصرف بكثير من العقلانية في موضوع عدم تجاوز المكوّن المسيحي" يسجّل مثل هذا الموقف للزعيم الدرزي الذي نصح حزب الله بعدم وقف الحوار مع حليفه المسيحي والتوافق معه على مرشح كأولى خطوات الحل، وذهب أبعد من ذلك ليقول لحزب الله صراحة أن الإتفاق مع باسيل يبقى أفضل من أن يتحول الأخير بإتجاه جعجع ليتفق معه.
تنقل مصادر مقربة أن جنبلاط أبلغ الثنائي الشيعي صعوبة السير بترشيح فرنجية، أي أن المكون الدرزي غير موافق عليه بالإضافة إلى مكونين كبيرين، ما يعني أن فرضية فرنجية التي قالها في بكركي بقبول إنتخابه بـ 65 صوتاً من دون كتلة مسيحية لا يبنى عليها، ولن يجاريه حزب الله وجنبلاط وإن لم يمانعه بري ضمناً. تختصر مصادر سياسية فحوى النقاش الدائر خلف الكواليس بالقول إن البحث عن مرشح جديد إنطلق وإن لم يتوضّح إسم المرشح بعد.