أوصل الحزب الديمقراطي مرشحيه جميعاً في الانتخابات الأميركية التكميلية لعام 2025، في نيو جرزي وفرجينيا ونيويورك. وفي كاليفورنيا صوّت إلى جانب مجموعة مشاريع اقترحها حاكم الولاية الديمقراطي غافن نيوسوم.
فرجينيا انتخبت الديمقراطية أبيغيل سبانبرغر حاكمة لها وكذلك نيوجرزي بانتخاب مايكي شريل.
والنتيجة البُرزى كانت في مدينة نيويورك التي انتخبت زهران ممداني الذي يصف نفسه بأنه شاب مسلم وديمقراطي اشتراكي عمدة لها.
أظهر هذا الانتصار المدوّي نقاطَ ضعف عمليّة للجمهوريين في عهد ترامب الثاني وأشار إلى اتجاهات ناشئة قد تنبئ بتحوّلات دراماتيكية في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026. وقد أخذ الناخبون في اعتبارهم مخاوف تكلفة المعيشة، والسخط من الجمود الحزبي المستمر، والرغبة في حلول عملية تركز على المجتمع.
من هم المنتخَبون؟
حاكمة ولاية فرجينيا المنتخبة أبيغيل سانبرغر خدمت حقبة طويلة في وكالة الاستخبارات المركزية، وحاكمة نيوجرزي المنتخبة مايكي شريل كانت ضابطاً طيّاراً في البحرية ثم انتخبت في مجلس النواب عن ولاية نيوجرزي.
أما عمدة مدينة نيو يورك المنتخب زهران ممداني فمن أبوين هنديين مسلمين، وُلِد في أوغندا عام 1991 وانتقل إلى الولايات المتحدة وهو في السابعة. حصل على الجنسية الأميركية عام 2018 وانتخب عضواً في مجلس نواب نيويورك عام 2019. تزوج في شباط الماضي من السورية الأميركية رَما دُوَجي التي تعرّف بها عام 2019 وعلّمته بعض العربية.
أما في كاليفورنيا فقد أيّدت أغلبية الناخبين مجموعة مبادرات طرحها الحاكم نيوسوم لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية بما يؤمّن غلبة للديمقراطيين في الولاية ويزيد عددهم خمسة مقاعد ينتزعها من الجمهوريين رداً على عملية مماثلة أقرّها حاكم ولاية تكساس لمصلحة الجمهوريين بناء على طلب من ترامب.
وقد شهدت هذه الانتخابات، خصوصاً في نيويورك إقبالاً بين الناخبين الشباب وذوي الأصول الأميركية الوسطى والجنوبية والفئات الديموغرافية الحضرية الأخرى، بما يعكس بداية مقاومة لأسلوب ترامب في الحكم والاستياء من السياسات الاقتصادية.
لماذا اختار الناخبون التغيير
استجاب الناخبون للاهتمامات الاقتصادية الجوهرية والشعور بأن أجندة الحزب الجمهوري، التي تشكلت بقيادة ترامب، لا تعالج حياتهم اليومية. والعامل المهم كان الإغلاق الحكومي الحالي، والتضخم المستمر، والخوف من التخفيضات في البرامج الاجتماعية مثل برنامج المساعدة الغذائية التكميلية. وتظهر الوثائق الحكومية أن 42 مليون أميركي، أي واحد من كل ثمانية مواطنين، يعتمدون على المساعدات الغذائية الفدرالية التي تقدّمها عادة وزارة الزراعة. وقد برع الحزب الديمقراطي في تركيز خطابه على قضية محورية هي القدرة على تحمّل التكاليف الحياة والرعاية الصحية والإسكان في حملة شملت القواعد الشعبية الحزبية في الولايات جميعاً وعلى وجه الخصوص تلك التي تجرى فيها الانتخابات.
في المقابل، فشلت حملة الجمهوريين التي ركّزت على الهجرة والفروق الثقافية ومحاولة ربط الديمقراطيين بالتطرف وغض النظر عن القضايا المعيشية.
هل كانت استفتاء على رئاسة ترامب؟
تُعتبر نتائج عام 2025 على نطاق واسع استفتاء سياسياً على ولاية ترامب الثانية. فقد تعرضت سياسته، وبخاصة إغلاق الحكومة الاتحادية، وهو الإغلاق الأطول إلى الآن، لانتقادات حتى من داخل حزبه وأصبحت قضية بارزة للناخبين المتعبين من الخلل في الحكم والجمود التشريعي في الكونغرس وعدم الاستقرار. حتى أن الرئيس ترامب نفسه اعترف بأن النتائج نكسة للجمهوريين وطلب من الجمهوريين في الكونغرس العمل على إنهاء الإغلاق الحكومي.
تنامي التنوع والنفوذ التقدمي
أظهرت الانتخابات التأثير المتزايد للمرشحين التقدميين والأقليات. سلّط فوز ممداني في نيويورك، الذي تحقق على الرغم من التردد الأولي من قيادة الحزب، الضوء على أهمية التعبئة الشعبية وبناء التحالفات بين الناخبين الحضريين الأصغر سناً والأكثر تنوعاً. يثير هذا النجاح بالفعل نقاشات داخل صفوف الديمقراطيين حول كيفية موازنة الطاقة التقدمية مع الجاذبية ذات القاعدة الواسعة استعداداً للانتخابات النصفية.
تداعيات على انتخابات 2026 النصفية
توفر الموجة الديمقراطية في عام 2025 زخماً حاسماً للحزب قبل الانتخابات النصفية للكونغرس في عام 2026. مع الحاجة إلى ثلاثة مقاعد فقط لاستعادة السيطرة على مجلس النواب وخريطة كونغرس جديدة تعطي الديمقراطيين الأفضلية في كاليفورنيا. يجد الديمقراطيون نفسهم في وضع جيد لتحدي سيطرة ترامب على الكونغرس، وتمنحهم الانتصارات فرصة لتعزيز المكاسب مع دوائرهم الانتخابية الرئيسية.
أما الجمهوريون، فقد أثارت الهزيمة وقفة للتأمل والتفكّر واستبيان خطأ التخطيط، خصوصاً تركيز الحملة على الاستقطاب وجدوى إعطاء الأقليات امتيازات "لا يستحقونها" فيما بعيش الجميع قلقاً اقتصادياً.
كيف يمكن للديمقراطيين تحقيق الاستفادة القصوى
يواجه الديمقراطيون فرصة كبيرة وتحديات صعبة في الاستفادة من هذه النتائج وتحويلها إلى مكاسب دائمة. فسيكون ضرورياً الحفاظ على الوحدة بين المعتدلين والتقدميين، وصقل الرسالة الإعلامية والدعائية التي قامت عليها الحملة الحالية، وهي معالجة التضخم والأجور والإسكان الميسور. انحاز الناخبون إلى المرشحين الذين ركزوا على القدرة على تحمل التكاليف اليومية بدلاً من الذين أثاروا موضوع النقاء الأيديولوجي.
وسيكون على الديمقراطيين حماية مكاسبهم في مجتمعات غير البيض والشباب والناخبين من الطبقة العاملة في المناطق الحضرية، والاستفادة من مبادرات الاقتراع وإقرار إعادة تقسيم الدوائر لدعم أغلبية مجلس النواب والتأثير على الانتخابات الأقل مستوى كالانتخابات المحلية.
كيف يمكن للجمهوريين الرد
أمام المخططين الجمهوريين مسار ضيق ولكن واضح. فعليهم إعادة تركيز أجندة الحزب على الاهتمامات الاقتصادية العملية، أي النمو والأمن الوظيفي وقضايا الحياة اليومية بدلاً من الموضوعات الثقافية المثيرة للانقسام.
وعليهم تعزيز التماسك الداخلي بعدما عرقلت المشاحنات الداخلية الواضحة للعيان معدل الإقبال وشوشت رسالة الحزب.
ثمّ إنّ عليهم إعادة بناء بنى الحزب على مستوى الولاية والمحلية لتحشيد وتحفيز الناخبين الجمهوريين، وتقديم بدائل سياسية ذات مصداقية في مجال الرعاية الصحية والتعليم والإسكان لتحييد الأفضلية التي يتمتع لها الديمقراطيون في الدوائر الانتخابية المتأرجحة.
ما يُستخلَص من هذه الانتخابات أن نتائجها شكّلت تصحيحاً للمسار في السياسة الأميركية. أسفر التنظيم على مستوى القواعد الشعبية للحزب الديمقراطي والتركيز على الإغاثة الاقتصادية، وترشيح أشخاص ذوي مصداقية عن انتصارات مدوّية وضعت الجمهوريين في موقف دفاعي. أبرز ما تعنيه هذه النتائج أنها عاقبت سياسات اعتبرت أنها لا تمتُّ إلى واقعها اليومي بصلة.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]
