صدق رئيس الجمهورية حين قال في افتتاح "المؤتمر الاقليمي حول التعاون القضائي الدولي في مكافحة الإرهاب" إن الإرهاب "استخدامٌ واضحٌ وعلني، للعنفِ المادي أو المعنوي، غيرِ المبرَّر وغير الشرعي، ضد أهدافٍ مدنية بريئة. لا كغايةٍ في ذاتِها، بل كوسيلةٍ لتحقيقِ غايةٍ أبعد، ألا وهي ترويعُ وتطويعُ أفرادٍ أو جهاتٍ مدنية أخرى بهدفِ انتزاعِ مطالبَ معيّنة وغيرِ محقّة منها، بطريقةٍ غيرِ شرعية ولا مشروعة."

وإذا كان رئيس الجمهورية يتحدث الأسبوع الماضي في هذا المؤتمر دولي الذي استضافته بيروت وركز على "التحديات وآفاق العمل" التي يطرحها التعامل مع قضية "المقاتلين الارهابيين الأجانب"، فإن التعريف الذي أتى به عن الإرهاب واستخلصه من خبرته "الميدانية والسياسية المسؤولة المتواضعة"، ينطبق ليس فقط على الإرهاب بمفهومه الكلاسيكي واجتذابه مقاتلين أجانب، بل أيضاً على أعمال يقوم بها مدنيون وعسكريون، نظاميون وغير نظاميين، محليون أو أجانب، لإرهاب المدنيين والعسكريين على السواء، ليس بوسائل عسكرية بل فقط، بل أيضاً بالغش والاحتيال والتلاعب المالي والسرقة.

ومع ذلك يبقى هذا التعريف ذاتياً إذ إن كلّ مجتمع يُسبغ صفة الإرهاب على عمل من الزاوية التي يراه منها. ولكن ليس الهمّ الآن مناقشة النظرية، بل اللَفت إلى ما جرى في لبنان منذ العام 2019 وعاني منه اللبنانيون، بمدنييهم وعسكرييهم وما زالوا يعانون، والمعالجة شبه غائبة لأنها لم تعط إلى الآن أي نتائج فيما كان من المفروض أن يتعاطى معها المسؤولون كما يتم التعاطي من الأعمال الإرهابية.

خذوا التعريف الذي أتى به رئيس الجمهورية في المؤتمر وأسقِطوه على السرقة الموصوفة التي تعرّض لها اللبنانيون بتواطؤ من الحكومات المتعاقبة والمصرف المركزي والقطاع المصرفي ومن يغطيهم من السياسيين ومجموعة المصالح التي تقود العمليات من الخطوط الخلفية. ألا تنطبق عليها العناصر التي يتشكّل منها الإرهاب والنتائج التي يرمي إليها؟ ألم يعانِ منها الرئيس شخصياً وهو على رأس قيادة الجيش ولم يكن في يده إلا طلب المساعدة الإنسانية من الخارج وغض النظر عن قيام العسكريين بأعمال أخرى خارج أوقات دوامهم ليتمكنوا من إعالة أنفسهم وأسرهم؟ ألم يعانِ منها الموظفون في الإدارة العامة، الصالحون منهم والطالحون، فزاد بؤس الصالحين وتمادى الطالحون في فسادهم؟

إن هذا الإرهاب المالي الذي يعانيه اللبنانيون واستفاد منه إرهابيو الياقات البيض وربطات العنق الرابضون على صدور الناس، والذي ما زال مستمراً، يستحق أن يُسلَّط عليه سيف مكافحة الإرهاب، عسكرياً وأمنياً وقضائياً. يجدر بهذا الإرهاب أن يُكشَف بالكامل هو والقائمون به، وهم أصلاً معروفون، وأن يُنزَل بهم ما أنزلوه بضحاياهم، وأن يَنأى بنفسه عنهم كلُّ مسؤول صادق وعَد مواطنيه قائلاً في خطاب القسم "عهدي أن أتمسّك بالحفاظ على الاقتصاد الحر والملكية الفردية، اقتصاد تنتظم فيه المصارف تحت سقف الحوكمة والشفافية، مصارف لا حاكم عليها سوى القانون ولا أسرار فيها غير السر المهني، وعهدي أن لا أتهاون في حماية أموال المودعين"، وكلَُ مسؤول قال "علينا أن نشطب كلَّ كلام عن شطب حقوق المودعين".

الإرهاب هنا واضح. الإرهابيون معروفون. تبقى المبادرة لحفظ العهود وتطبيق الوعود.