تقرير خالد مجاعص

لم يعد هناك أدنى شكّ أنّ كرة السلّة اللبنانيّة انتقلت إلى مرحلة متقدّمة جدّاً، وأنّ بطولتها أصبحت في مكان مختلف تماماً عن كلّ البطولات المحلّيّة في المنطقة.

فالنتائج المميزة للمنتخبات اللبنانية وكذلك خارطة الطريق الّتي وضعها الاتّحاد اللبنانيّ لكرة السلّة ونجاحه في تنظيم بطولات عالية المستوى جعلت من تلك اللعبة قبلة الرعاة والمعلنين في لبنان وحوّلت المنافسة الإعلاميّة للفوز بحقوق نقل بطولتها الأولى تتخطّى حاجز العشرة ملايين دولار.

وأمام هذا الاهتمام والمتابعة الجماهيريّة غير المسبوقة لنهائيّ هذا الموسم، دخلت بعض الأندية بقوّة غير مسبوقة في سوق التعاقدات، ووصلت العروض إلى أرقام كبيرة تخطّت المئتي ألف دولار في الموسم وهو الرقم الّذي كان يتقاضاه عدد قليل من نجوم اللعبة لا يتخطّى عددهم أصابع اليد الواحدة. لكن تلك الأرقان سقطت كلّها مع إعلان نادي الحكمة تعاقده مع لاعب دوري الجامعات الأميركيّة ومنتخب لبنان يوسف خيّاط "يويو" برقم قياسيّ لم تعرفه أيّ من الرياضات اللبنانيّة فقد وقّع الفريق الأخضر عقداً قياسيّاً مع يويو خيّاط مقابل مليوني دولار أميركيّ لثلاثة مواسم.

ونزل وقع هذا التعاقد كالصاعقة على أندية الدرجة الأولى وعلى اللاعبين أيضاً. فتلك الخطوة الجريئة جعلت العديد من اللاعبين غير المرتبطين بعقود يعيدون حساباتهم ويطلبون أرقاماً أعلى بكثير ممّا كانوا يعتبرونه مقبولاً.

فما هو ظاهر اليوم أنّ فريق الحكمة رصد موازنة عالية جدّاً لهذا الموسم قد تعطيه فرصة لإسقاط الرياضي عن عرشه من جهة ولمحاولة إحراز أوّل لقب له لبطولة لبنان لكرة السلّة منذ عام 2004 عندما هجر رئيسه التاريخيّ الراحل أنطوان شويري لعبة كرة السلّة .

ولهذا، لم يعد في إمكان الحكمة منذ تاريخه إحراز أيّ لقب على الرغم من أنّه وضع مراراً سقفاً عالياً جدّاً لميزانيّاته لمحاولة الفوز باللقب، لكنّه كان يصطدم دائماً بالثبات والخبرة اللذين يتمتّع بهما الجهاز الإداريّ والفنّيّ في نادي الرياضي مع عامل أساسيّ وهو احتفاظه بكلّ موسم بالأغلبيّة الساحقة من نجومه.

يبقى أنّ الوضع الاقتصاديّ الصعب جدّاً قي لبنان هو عائق كبير أمام أندية الدرجة الأولى لتأمين موازنات للمنافسة. من هنا، قد يكون سيناريو البطولة أمام مستويين هما مستوى ثنائيّ الرياضي والحكمة ومستوى ثانٍ لبقيّة فرق البطولة. كذلك فإنّ هجرة العديد من نجوم اللعبة إلى الدوري اليابانيّ وفي مقدّمهم الثلاثيّ سيرجيو درويش وعلي مزهر وكريم عزّ الدين من جهة وارتباط النجم الأوّل للسلّة اللبنانيّة وائل عرقجي مع نادي العلا السعوديّ قد يساهمان أيضاً في تثبيت تفوّق قطبي اللعبة على الآخرين، خصوصاً مع تراجع أهداف فريق نادي بيروت وانتظار الشكل الّذي سيظهر فيه فريق الشانفيل في الموسم الجديد.

وكانت الرياضة اللبنانيّة قد شهدت للمرّة الاولى رقماً في التعاقدات يتخطّى المليون دولار عندما قرّر فريق أولمبيك بيروت برئاسة طه قليلات في عام 2003 أن يبني قوّة ضاربة في كرة القدم تسقط الأنصار كما النجمة، فتعاقد مع نجم مرسيليا لاعب جنوب أفريقيا من أصول لبنانيّة بيار عيسى مقابل أكثر من مليون ومئتي ألف دولار، وانضمّ معه العديد من نجوم اللعبة في لبنان واللاعبين المجنّسين، لكنّ تلك "السكرة" ما لبثت أن انتهت في الأشهر اللاحقة وعادت الأمور إلى مجاريها.

من هنا، يبقى السؤال: هل تحمل سوق الرياضة في لبنان موازنات أندية بملايين الدولارات مع العلم أنّه لم يتمكّن يوماً أيّ من تلك الأندية وبأيّ رياضة جماعيّة أن يتجنّب الخسارة المالية من مردود الإعلانات والملاعب بل كانت دائماً تسدّ عجزها بهبات خاصّة وأحياناً بهبات من سياسيّين أو رجال أعمال يعتمدون الرياضة سبيلاً لشقّ طريقهم إلى الحقل العامّ.