في عام 2025، ظهرت موجة جديدة في عالم مستحضرات التجميل، تمثّلت بما سُمّي "أخطر اختراع للتسمير"، وهو بخّاخ أنفي يمنح البشرة لونًا برونزيًّا دون الحاجة إلى التعرض الطويل لأشعة الشمس. هذا المستحضر الجديد سرعان ما أثار الجدل بين الأطباء ورواد مواقع التواصل، خصوصًا بعدما بدأ استخدامه ينتشر على نطاق واسع بين الشابات بحثًا عن مظهر "تان مثالي" دون عناء.

يعتمد هذا البخاخ على مادة ميلانوتان 2 (Melanotan II)، وهي مادة صناعية شبيهة بالهرمونات الطبيعية في الجسم. عند استنشاقها من خلال الأنف، تعمل على تحفيز مستقبلات الميلانوكورتين، مما يؤدي إلى تنشيط الخلايا الصبغية (الميلانين) المسؤولة عن إعطاء الجلد لونه الداكن، حتى من دون التعرض للشمس. وإن أراد المستخدم زيادة التسمير، يُنصح بالجلوس تحت أشعة الشمس بعد استخدام البخاخ، ليتضاعف تأثير المادة.

غير أن ما يبدو للبعض "ابتكارًا ثوريًّا"، يُعد في الواقع خطرًا صحيًّا داهمًا. إذ إن مادة "ميلانوتان 2" لم تُرخّص من قِبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، ولم تُجرَ عليها دراسات كافية تثبت أمانها على المدى الطويل. بل إن الأبحاث الطبية والتحذيرات الصادرة من هيئات صحية أوروبية وأمريكية، أكدت أن هذه المادة قد تسبب سرطان الجلد (الميلانوما)، إضافة إلى مشكلات في الجهاز التنفسي، واضطرابات هرمونية، وطفح جلدي، وارتفاع ضغط الدم، ونوبات غثيان وقيء، وحتى حساسية شديدة تجاه الشمس.

وفي هذا السياق، أوضح الدكتور ناصر العلوي، اختصاصي الأمراض الجلدية والتجميل، في مقابلة خاصة:

إن "أخطر ما في الأمر أن هذه المادة تُروّج باعتبارها آمنة وسريعة وفعالة، بينما الحقيقة أنها تدخل الجسم عبر الأنف وتؤثر مباشرة على الجهاز العصبي والهرموني. نحن نتحدث عن مادة غير خاضعة لأي رقابة طبية، تُستخدم عشوائيًّا، وغالبًا من قبل فتيات مراهقات أو شابات يتأثرن بالموضة السريعة على مواقع التواصل".

ويتابع العلوي: "تغيير لون الجلد بهذه الطريقة لا يمنح الجمال، بل قد يُخفي ظهور علامات مبكرة لأمراض خطيرة، مثل الأورام الجلدية. كما أن كثيرًا من الحالات تصل إلى عيادات الجلدية بعد أشهر من الاستخدام وهي تعاني من آثار يصعب علاجها، بعضها دائم".

التقارير الطبية الحديثة تدق ناقوس الخطر. ففي بريطانيا، سُجّلت عشرات الحالات لنساء أُصبن بسرطان الجلد، وأظهرت التحاليل أن أغلبهن استخدمن بخاخات تحتوي على مادة "ميلانوتان 2". كما رُصدت حالة وفاة في النرويج لشابة تعرضت لنوبة تحسس حادة بعد استخدام هذا المستحضر. أما على منصات الإنترنت، فالمؤسف أن البخاخ يُسوَّق دون أي تحذيرات طبية، ويُباع بحرية تامة وكأنه منتج تجميلي آمن.

واللافت أن هذا الهوس بـ"التسمير الصناعي" لم يأتِ من فراغ. فقد أصبح لون البشرة البرونزي معيارًا جماليًّا متداولًا، تدعمه صور المشاهير ومؤثّرات الجمال. إلا أن المجتمع أصبح في كثير من الأحيان مهووسًا بالشكل على حساب الصحة، دون الالتفات إلى المخاطر التي قد تكلّف الإنسان حياته.

وفي ظل هذا المشهد، تبقى الدعوة الأساسية هي للوعي والحذر. فالبحث عن الجمال لا يجب أن يتم على حساب السلامة الصحية. إن مستحضرات التسمير الطبيعية أو استخدام الزيوت الواقية من الشمس ذات الجودة المعروفة أفضل بكثير من الانزلاق خلف موضة تحمل في طياتها تهديدًا حقيقيًّا للجسم.

وفي النهاية، لا بد من التذكير بأن الجمال لا يُقاس بلون البشرة، بل بصحتها ونضارتها. ولعلّنا بحاجة، في هذا العصر الرقمي السريع، إلى أن نتعلم كيف نحب أنفسنا كما نحن، دون أن نعرض أجسامنا لتجارب غير مأمونة فقط لمجاراة ما يُسمّى "بالترند".