تبدو الرياض اليوم أو كما يتمنى البعض أن يراها كمن يمسك بالورقة التي تحمل اسم رئيس الجمهورية اللبنانية المقبل.

هل يأتي الرئيس من جدّة كما جاء الوفاق الوطني من الطائف؟ هذا هو السؤال الذي ينشغل اللبنانيون بالبحث عن إجابته وتداعيات ما ستكون عليه الإجابة.


هي قمّة استثنائية تلك التي تستضيفها المملكة العربية السعودية في مدينة جدّة، تأتي في توقيت بالغ الأهمّية والخطورة، انفتاح سعودي على إيران والصين وروسيا، مصالحة مع النظام في سوريا، ترقّب لحوار قريب مع فرقاء كانت المملكة على قطيعة معها. مقابل فتور في العلاقات مع واشنطن، وصقيع أصاب قطار التطبيع فخرج عن مساره.

تغيّر لسان حال من كانوا خصوماً للمملكة العربية السعودية في أدائها الإقليمي واللبناني، وبسحر ساحر صيني، أصبحوا ينتظرون منها أن تتكرّم عليهم وتحيل موقفها من لا فيتو على أحد بمن فيهم سليمان فرنجية إلى فيتو على كل من يعارض أو ينافس فرنجية. أمّا حلفاء الرياض في بيروت فأصبح جلّ همّهم ألّا تُفرض عليهم عقوبات، رغم تخوّفهم من أن يُفرض عليهم رئيس بحيث يُنتخَب عنهم ولهم.   

تبدو الرياض اليوم أو كما يتمنى البعض أن يراها كمن يمسك بالورقة التي تحمل اسم رئيس الجمهورية اللبنانية المقبل. ومن هنا يمكن فهم محاولات سبر أغوار كل تصريح أو زيارة أو لقاء وربطها بالشأن الرئاسي. وينبري كثر للحديث عن بَواطن ومشاعر لم يبح بها أحد إنّما فضحتها العيون، كما يقولون.

ذهب اللبنانيون إلى أعالي القمم يترقبّون ما يحصل خلف الحدود، الحدود الجنوبية على حالها، أمّا الحدود الشرقية فهي الشغل الشاغل. هل ستعود هذه الحدود لتشهد حركة عبور سياسية وحزبية افتقدتها لسنوات، هل ستشهد عودة غير مسبوقة لقوافل النازحين إلى بلادهم. وهل سيخرج علينا من خلف الحدود الأبعد، رئيس من إنتاج قمة مثّلهم فيها رئيس حكومة تصريف أعمال يقول البعض بعدم دستورية قراراتها.

هو الضوء الأخضر المنتظر أن يلوح من بعيد أو قلّ الدخان الأبيض. فلتختر الرياض رئيس الحكومة طالما أن الثنائي الوطني اختار رئيس الجمهورية، أو فلتختر المملكة أن تكون شريكة في صناعة رئيس الجمهورية وتبنّيه.

"سليمان فرنجية أو الفوضىى" وإن كانت الفوضى هي السقف الأعلى فالفراغ هو المدماك الأول، هذا هو التحذير الذي يأمل مؤيدو فرنجية أن تخرج به القمّة الموسّعة، أو حتّى القمّة الثنائية المرتقبة. وهو تحذير بدأ يهلّل له أولئك، مدعومين بالتهديدات الغربية بفرض عقوبات على معرقلي الانتخابات الرئاسية في لبنان. وهكذا بات يمكن رصد الثنائي الوطني بجناحيه يتحدّث عن المجتمع الدّولي وأهمية ملاقاته والعمل بتوجيهاته، حتّى أنّ تسمية ممانعة فقدت معناها.

لبنان الذي كان من الصارخين في الصحارى لعودة سوريا إلى الحضن العربي، وهي صرخات دفع ثمنها خصومة ومنع سفر ووقف للاستثمارات وغيرها من الإجراءات أو التهديدات، هو نفسه لبنان الذي يبدو اليوم غائباً عن هذا الحدث. بل وبدل أن يكون الراعي لهذه العودة والفخور بها، يتم التعامل معه على أنه بند على جدول الأعمال.

وهكذا.... يعود هذا الوطن الصغير كما كان سابقاً، صندوق بريد أو مسرحاً لتقاسم النفوذ ورسم الحدود بين كبار اللاعبين.

ستشهد سوريا إعادة إعمار لا يبدو أن لبنان سيكون من اللاعبين الأساسيين فيها وهو لم يجنِ أيّ ثمن من أزمة كان بعد دمشق من أوائل من دفعوا ثمنها. ها هم الذين انخرطوا في الحرب يعيدون ترتيب خريطة السلام. وها نحن مجدداً في لبنان جماعات تنتظر انعكاس ما يجري عليها وحدها من دون غيرها. فيما كانت السعودية وإيران تحيكان تفاهمهما الصيني وصولاً إلى الاتفاق السعودي السوري، كان الفرقاء اللبنانيون يقرّشون ما جرى بمنطق الربح والخسارة. ولكن غاب عن بالهم إنّهم يقرّشون بالعملة الوطنية التي انهارت ذات ليلة ولا تبدو لها قيامة قريبة.

لم تكن المشكلة يوماً، مشكلة أسماء أو كفاءات أو صفات، المسألة في دورنا كمواطنين في اختيار الاسم والمواصفات، في دور أحزابنا ونوابنا في تمثيلنا في هذا الاختيار. لطالما كانت القضية أوّلا وأخيراً شعارات السيادة والمواطنة والحرية التي يرفعها الجميع ولكن كلّ بحسب ترجمته الخاصّة لها. تلك السيادة التي تنتظر فيتو أو لا فيتو، وتتبرع برئيس حكومة مقابل رئيس جمهورية، رئيس يحظى بمشروعية دولية وإقليمية من دون اعتبار لمشروعيته للجماعة التي يفترض أن يمثلها، بحسب التوزيع الذي الدستور وفق ميثاق العيش المشترك. ولا بأس بتقاسم الرئيسين والحكومة المهم أن تعود السين سين لتعود الترويكا القديمة ولو بشكل جديد، هذا أقصى طموح البعض وأقلّ أطماعهم.