داود ابراهيم

ربما هي المرة الأولى بتاريخ الانتخابات الرئاسية في لبنان منذ عشرات السنين التي لا يشار فيها إلى دور دمشق أو مرشحها. والأمر ينسحب على حلفاء سوريا وخصومها على الساحة المحلية والإقليمية كما الدولية. ولا يجد الداخل كما الخارج حرجاً في الحديث عن مواصفات يتم ربطها بأسماء يتم الترويج لها أو البحث عن دعم إضافي يصب في صالحها.

اجتماع باريس الخماسي الذي ضم إلى فرنسا كلاً من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر قيل أنّه لم ينته إلى توافق على اسم مرشح واحد. رغم محاولة كثر ترجمة عدم التسمية وصوغها بأحرف تنطق بمرشح دون غيره.

لم نسمع عن اجتماع في موسكو حضرته الصين وإيران وخصص للبحث في تسمية لائحة بمرشحين لبنانيين إلى سدّة الرئاسة أو حتى برسم خريطة طريق تتضمن المواصفات التي يمكن أن ترضي هذه الدول في رئيسنا المقبل. ولكن لا داعي للانشغال بدول منشغلة أصلاً بأوضاعها الداخلية والخاصة.

ولكن أين سوريا من هذا الاستحقاق وهي الحاضرة في كل التفاصيل اللبنانية بشكل أو بآخر. هنا يكمن السؤال الأهم وتلك هي المسألة. فهل فعلاً ينوب الثنائي الشيعي (الوطني) أو أحد مكونيه على الأقل عن دمشق في الاختيار؟ هل حمل رئيس لجنة الأخوة والصداقة البرلمانية اللبنانية السورية علي حسن خليل الذي زار سوريا عقب الزلزال اسم الرئيس الذي سيعيد إعمار البلدين الشقيقين؟ هل أسرّ الرئيس السوري بشار الأسد إلى الوفد النيابي باسم من يدعمه لهذا المنصب؟  أم أنه لم يتمكن حتى من تحديد موعد لمسؤولين لبنانيين آخرين كانوا يطمعون بزيارة الشقيقة منذ مدة فكيف له أن يتحدث باسم من هنا ومرشح من هناك؟

تصرّ بعض الجهات اللبنانية على القول أنّ الإيرانيين يتركون لحزب الله تحديد ما يراه مناسباً في المواضيع المتصلة بالواقع اللبناني، بالتالي فإن طهران لا تتدخل في الشأن الرئاسي اللبناني. وتلفت هه الجهات إلى أن الأمر نفسه ينسحب على السوريين. فهل تدعم دمشق المرشح المفضّل لرئيس مجلس النواب نبيه بري ليكون رئيس البلاد؟ أم أن القيادة السورية تتعامل مع الأمر على أنه مرشح حزب الله؟ أم أن مرشح الثنائي هو تاريخياً صديق آل الأسد بالتالي لا داعي للسؤال حول موقفها منه؟

لا بأس من الحديث هنا عن علاقة سوريا بمرشح الثنائي الذي لم يعلن ترشيحه حتى الآن سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة. فأغلب الكلام الذي يتم تداوله عبر الإعلام يركز على العلاقة التاريخية التي تربط آل فرنجية بالعائلة الحاكمة في المملكة. ويتم التذكير بأن اسم سليمان فرنجية معروف من قبل الملك وولي العهد ومعرفة الاسم نقطة لصالح فرنجية تقدّمه على سواه في السباق الرئاسي. ولا يغيب عن البعض الإشارة إلى مشاركة فرنجية وبالصفوف الأمامية في المؤتمر الذي دعا إليه السفير السعودي لدى لبنان في ذكرى اتفاق الطائف.

ماذا بين سوريا وفرنجية اليوم؟ هل تغريدة فرنجية التي قال فيها "كل العزاء للدول والشعوب التي تضررت جراء الزلزالين، الرحمة للضحايا والشفاء للمصابين" تشي بفتور في العلاقات. وهل برقية التعزية بالضحايا التي أرسلها فرنجية إلى رئيس الوزراء السوري كافية للدلالة على عمق العلاقة بين الطرفين. أم أن ما أشيع عن اتصال فرنجية بالأسد عقب الزالزال واقعة يجب التوقف عندها. من دون إهمال أن الوفد لنيابي الذي زار سوريا كان في عداده طوني سليمان فرنجية، فهل حمّله الأسد تحياته إلى الوالد الرئيس؟

علاقة فرنجية بآل الأسد علاقة تاريخية، وكانت علاقة متقدمة على علاقة دمشق بالآخرين على الساحة اللبنانية وهي علاقة لم تكن تمر بالقنوات المعتادة ولا عبر عنجر وهي علاقة سبقت بشار وسليمان إنما هما من ورثها وعملا وفقها لفترة طويلة، قبل أن يحل بسوريا ما حل بها بعد انحساب جيشها من لبنان عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فهل العلاقة على حالها؟ أم تحتاج لترميم بعد الزلزال الذي أصاب العلاقات بين البلدين قبل الزلزال الذي أصابها أخيراً.

صحيح أن دمشق منشغلة عن الواقع اللبناني بظروفها الداخلية وترميم علاقاتها مع الدول العربية الأخرى وقد زادها الزلزال انشغالاً، إلا أنه لا يمكن تجاهل حضورها على الساحة اللبنانية، أقلّه بفعل وجود ما يزيد على المليوني نازح سوري، بحسب ما أعلن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.  ومن دون أن ننسى من وصل إلى الندوة البرلمانية من حلفاء لها أو ما يتصل بالحدود بين البلدين وصولاً على الحدود البحرية وترسيمها تمهيداً للتنقيب عن النفط والغاز فيها.

فهل لسوريا مرشحها المفضل إسوة بغيرها وقد كانت الناخب الأول والوحيد في الماضي القريب؟ هذا السؤال يستدعي سلسلة من الأسئلة لا تبدو الأجوبة عليها نهائية حتى اللحظة، فالعاصمة السورية لم تعرف زيارة لأي مرشح رئاسي في لبنان منذ سنوات ليست بقليلة وهي التي كانت محجة لكل المسؤولين اللبنانيين بمناسبة ومن دون مناسبة. فهل انتهى حقاً زمن الكلمة السورية في لبنان؟ أم أن هناك من سمع الكلمة السورية في انتخابات الرئاسة في لبنان ولم يكشف عنها بعد؟