بعض التسريبات الإعلامية تتحدّث عن أنّ الحكومة، من خلال اجتماعات وزارية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، قامت ببحث الأمر من دون أن يكون هناك من قرارات أو توجّهات واضحة. وبالتالي فإنّ احتمال التداعيات السلبية حاضرة في المرحلة القادمة.

يشهد يوم غد الثلاثاء استحقاقًا مُهمًا يتمثّل بجلسة استماع إلى حاكم المصرف المركزي حدّدتها القاضية الفرنسية "أود بوريزي" في العاصمة الفرنسية باريس. ويأتي هذا الموعد على خلفية التحقيقات القضائية التي يقوم بها القضاء الفرنسي حول ثروة حاكم المصرف المركزي. وهنا يُطرح السؤال عن السيناريوهات المطروحة للمرحلة المُقبلة؟

لا معلومات حتّى الساعة عن إمكانية حضور حاكم المركزي جلسة الغد في باريس، خصوصًا مع المعلومات الصحافية عن إصدار مذكرة منع سفر وتوقيف بحقه من قبل القضاء اللبناني، أو عدم تبلّغه بموعد الجلسة بالشكل القانوني. على كلّ الأحوال هناك سيناريوهات ناتجة عن هذا الأمر: الأول ويتمثّل بحضور الحاكم جلسة الإستماع في باريس وهنا يُمكن للقاضية الفرنسية تركه أو الادعاء عليه. أما السيناريو الثاني فيتمثّل بعدم حضور الحاكم الجلسة، وهنا أيضًا يُمكن للقاضية الفرنسية تحديد موعد آخر للاستماع إليه أو الادّعاء عليه.

في هذا المقال نهتم بالسيناريوهات الإقتصادية التي قد تنتج عن الادّعاء (الممكن) من قبل القضاء الفرنسي على الحاكم. في هذه الحالة، هناك مخاوف من ردّة فعل من قبل المصارف المراسلة التي قد تذهب إلى حدّ قطع العلاقات مع القطاع المصرفي اللبناني بشقيّه المصارف التجارية والمصرف المركزي. وهذا الأمر إن حصل يعني بكل بساطة تداعيات سلبية على الإستيراد والتصدير، كما وعلى أموال المودعين اللبنانيين في المصارف الأجنبية. فقد تعمد المصارف الأجنبية المراسلة إلى تجميد الحسابات خوفًا من عمليات مشبوهة قد تضعها – أي المصارف الأجنبية – بوضع صعب أمام القضاء الأجنبي.

وهنا يتوجّب السؤال عن الاجراءات التي قامت به السلطات اللبنانية لتفادي مثل هذه السيناريوهات؟ بعض التسريبات الإعلامية تتحدّث عن أنّ الحكومة، من خلال اجتماعات وزارية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، قامت ببحث الأمر من دون أن يكون هناك من قرارات أو توجّهات واضحة. وبالتالي فإنّ احتمال التداعيات السلبية حاضرة في المرحلة القادمة.

من جهة أخرى، يختتم رياض سلامة ولايته كحاكم للمركزي خلال شهر من دون أن يكون هناك من ملامح واضحة عن البديل. الطروحات الموجودة تشمل:

- تعيين حاكم أصيل بديل عن سلامة وهنا تُطرح مُشكلتين: صلاحية حكومة تصريف الأعمال وحلفان الحاكم الجديد القسم أمام رئيس الجمهورية (لا يستلم مهامه قبل حلفان اليمين)؛

- تسلّم نائب الحاكم الأول مهام الحاكمية عملًا بالمادة 25 من قانون النّقد والتسليف، مع العلم أنّ هناك رفض مُسبق من قبل نائب الحاكم الأوّل لتسلّم هذه المهام؛

- تسلّم أحد نواب الحاكم الآخرين مع العلم أنّ المادة 25 لا تذكر شيئًا عنهم، وبالتالي يتم الحديث عن تكليف خطّي من قبل الحاكم لأحد نوابه (الثاني أو الثالث أو الرابع) وهو أمر يقول بعض القانونيين أنه غير مُمكن؛

- تعيين حارس قضائي على المصرف المركزي، وهو ما يرفضه القانونيون بحكم أنّ المصرف المركزي هو مؤسسة عامّة مُستقلة وليس مؤسسة تجارية؛

- تسلّم وزير الوصاية مهام حاكم المركزي وهو ما يُناقض مبدأ إستقلالية المصرف المركزي مع رفض سياسي لهذا الأمر.

إذًا وبغياب رئيس الجمهورية وحكومة أصيلة، نرى أنّ هذا الأمر يجعل الفراغ أو أقلّه محدودية الصلاحيات على رأس السلطة النقدية هو أمر شبه حتّمي. وبالتالي ماذا عن السياسة النقدية في هذه المرحلة ومن سيأخذ القرارات المُتعلّقة بالنقد وعمل المصارف التجارية (التعاميم)؟

من الواضح مما تقدّم أنّ هناك مخاطر فعلية تحوم حول الليرة وحول عمل القطاع المصرفي. وبالتالي من المُلحّ جدًا أن يعي المسؤولون أهمّية إعادة تكوين السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية والحكومة) تفاديًا لسيناريوهات قد تكون تداعياتها كارثية.

على الصعيد النقدي، يُشير التقرير الشهري الصادر عن المصرف المركزي إلى أنّ الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية في التداول تراجعت بشكل ملحوظ من 76.1 تريليون ليرة لبنانية في نهاية شهر شباط إلى 53.7 تريليون ليرة لبنانية في نهاية شهر آذار الماضي، وهو ما يُظهر تسارع إمتصاص هذه الكتلة مع مفاعيل التعميم 161 (دولار كاش مُقابل ليرة كاش)، ودفع رواتب القطاع العام بالدّولار الأميركي، وقرار وزير المال دفع الرسوم والضرائب بالكاش.

 الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية في التداول (مصدر: مصرف لبنان)

هذا الأمر يعني أنّ المضاربة على الليرة اللبنانية تراجعت بشكل كبير ويجعل الكتلة النقدية بالتداول 9 أضعاف ما كانت عليه قبل الأزمة مقارنة بسعر صرف الدولار في السوق السوداء 63 ضعفًا سعر صرف الدولار ما قبل الأزمة. هذا الأمر يُشير إلى أنّ سعر الدولار في السوق الموازية ليس نتاج تضخّم الكتلة النقدية بقدر ما هو نتاج التلاعب بسعر الدولار.

ومع ارتفاع سعر الدولار الجمركي ودولار الضريبة على القيمة المضافة، هناك توقعات أن تنخفض قيمة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية أكثر في المرحلة القادمة وهو ما يُرجّح إنخفاض المضاربة على الليرة وبالتالي إستقرار سعر الصرف. إلّا أنّ السؤال يبقى عن قدرة المركزي على الإستمرار في ضخ الدولارات للقطاع العام (حكومة وأجور موظفين) وهو ما سيؤدّي إلى تعقيدات ستواجه الحاكم الجديد (؟!). وهذا الأمر يدفعنا أيضًا إلى التساؤل عن مصير الإحتياطي الإلزامي (أي أموال المودعين في المصرف المركزي) في حال استمرّ الوضع على ما هو عليه، وفي حال تشابكت السلطة النقدية مع السلطة التنفيذية في طرح مبدأ للضرورة أحكامها.

على صعيد آخر يستمر استنزاف الودائع بالدولار الأميركي من باب السحوبات التي يقوم بها المودعون (التعميم 158 والتعميم 151) حيث تراجعت الودائع من 73.8 في شباط الماضي إلى 73.3 مليار دولار أميركي في نهاية شهر آذار أي بقيمة 541.5 مليون دولار أميركي. وبالتالي من الضروري رفع دولار السحوبات ليتماشى مع دولار الضريبة على القيمة المضافة والدولار الجمركي ولوقف الخسائر على المودعين، مع الأخذ بعين الإعتبار خفض قيمة السحوبات كي لا تعود الكتلة النقدية إلى الإنفلاش من جديد.

الودائع بالعملة الصعبة (مصدر: مصرف لبنان)