"عَودٌ على بدء"، عبارة تلخّص مسار الإصلاحات الاقتصادية في لبنان. "تحمل" الحكومة بمشروع قانون إصلاحي، يخرج بعد مخاض طويل وعسير من "رحم" مجلس النواب، يراه صندوق النقد الدولي مشوَّهاً. فتعاد العملية من جديد. هذه الرحلة لا تنتهي "في يوم وليلة"، بل تتطلب سنوات طويلة ومريرة، أغلى ما فيها هو الوقت.
ثلاثة إصلاحات جذرية جديدة – قديمة، طلبها صندوق النقد الدولي لمتابعة المفاوضات مع لبنان تمهيداً لتوقيع اتفاق اقتصادي ومالي. المطلب الأول المتعلق باستعادة الانتظام المالي من خلال توزيع عادل للخسائر في النظام المصرفي، لم يُنجز بعد. الثاني المتعلق بإلغاء السرية المصرفية، أقرّه لبنان ناقصاً في 2022، وأعاد تعديله منتصف 2025 بعد ضغط من الصندوق. والثالث هو اعادة هيكلة المصارف الذي أقرّه البرلمان، والمتوقع أن يرفضه صندوق النقد، قبل أن يعاد تعديله في فترة زمنية قد تطول لسنين.
مشروع القانون الاصلي
بالتزامن مع بدء توافد النواب إلى البرلمان لمناقشة مجموعة من القوانين، من ضمنها هيكلة المصارف، والتصويت عليها سُرِّبت تعليقات صندوق النقد الدولي على قانون الهيكلة. ويظهر من خلال الانتقادات عدم رضى الصندوق على التعديلات التي أدخلتها اللجنة الفرعية المنبثقة من المال والموازنة التي قسمت الهيئة الى غرفتين ارضاءً لحاكم المصرف المركزي:
- الغرفة الاولى، تتكون من الحاكم رئيساً وعضوية أحد نوابه، ورئيس لجنة الرقابة وضمان الودائع/ وقاض يستقصي حالة المصارف.
- الغرفة الثانية، تتكون من الحاكم رئيساً، وعضوية نائبين عنه، وقاض مالي تقترحه وزارة المالية، وممثل عن مؤسسة ضمان الودائع ومدير عام المالية. وتحدد هذه الغرفة مصير المصارف.
جرى ذلك بعد ما نص مشروع القانون الأساسي على تشكيل الهيئة المصرفية العليا، كمرجع مختص باتخاذ القرار حول المصارف التي يجب إصلاحها أو تصفيتها، وتأليفها من الحاكم، رئيساً وواحد من نوابه، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف، وخبيرين في الشأنين القانون والمصرفي، تُعيّنهما الحكومة، ورئيس مؤسسة ضمان الودائع.
تعليق صندوق النقد
انطلاقاً من مبدأ فصل السلطات، وعدم وجود تضارب مصالح طلب صندوق النقد الدولي، مجموعة من التعديلات، أبرزها:
- تأجيل تمثيل مؤسسة ضمان الودائع في الغرفة الثانية لكون المصارف تهيمن على مجلس إدارتها.
- التشديد على أن يكون الخبيران اللذان تعيّنهما الحكومة بناء على توصيات وزارتي المالية والعدل مستقلَّين تماماً عن السلطة والمصارف.
- التشديد على أن منع تضارب المصالح الوارد صراحة في المادتين 6 و20 يجب أن يوسَّع ليشمل أفراد الأسرة المباشرين للمقترضين والمودعين.
- إلغاء صلاحية البنوك في الاعتراض على التقييم، نظرا لأن المادة 31 تنص على حق المصرف في استئناف قرارات الحل والتصفية.
- إلغاء السلطة المُستحدثة لهيئة الأعمال المصرفية في الهيئة المصرفية العليا لإجراء تقييم منفصل، متجاهلةً التقييم الذي كلفت الهيئة المصرفية العليا مُقيّمين مستقلين القيام به، لأن هذا حق إعادة التقييم يمنحها سلطة تقديرية مفرطة، ويقوّض استقلالية التقييم، ويخاطر بالتسبب في تأخيرات غير ضرورية، ونزاعات مؤسسية وثغرات قانونية.
- تعديل المادة 31 لضمان أن تقتصر الطعون اللاحقة بشكل صارم على مراجعة قانونية قرارات الهيئة المصرفية العليا، دون السماح للمحاكم بالتدخل في تقدير الهيئة أو حكمها الفني. وكانت النسخة التي قدّمتها الحكومة قد تضمنت بالفعل حكماً يقيّد الطعون خارج محكمة الاستئناف، ومن الجيد بحسب الصندوق إعادة العمل بها للمساعدة في منع التأخير الإجرائي.
- وجوب إعادة صياغة أهداف القانون في المادة 3، بما يتماشى مع المعايير الدولية، للإشارة صراحةً إلى الأهداف التالية: الاستقرار المالي، واستمرارية الوظائف الحيوية، وحماية المودعين، وتقليل استخدام الموارد العامة.
- تطبيق هذا القانون على البنوك غير قابلة للاستمرار، وليس فقط على البنوك المتعسرة كما هو مذكور حالياً بشكل خاطئ.
- وجوب حذف الإشارات المعيقة لتطبيق القانون في المواد 2 و14 و28، والتي تربطه باصدار قانون الانتظام المالي، وأن تكون المادة 37 هي الحكم الوحيد الذي يحكم دخول القانون حيز النفاذ.
- توضيح المادة 14 المتعلقة بحماية المودعين وحل الفجوة المالية، إذ إن من الممكن تفسيرها بسهولة وكأنها استبعاد شامل للمودعين من الحل.
- وجوب أن ينص القانون صراحة في المادة 16 على أن قرارات الحل لن تخضع لمتطلبات الموافقة أو التسجيل أو النشر لدى أي جهة أخرى. وأوصى الصندوق بمنح الهيئة المصرفية العليا سلطة صريحة لتعديل النظام الأساسي للمصرف المعني أو اعتماد نظام جديد، دون الخضوع لأحكام القانون التجاري وأي تشريع آخر.
- وجوب أن تشمل الصلاحيات التي يمكن تفويضها إلى المدير الخاص في المادة 19 صلاحيات مجلس الإدارة والجمعية العامة للمساهمين، حسبما تراه الهيئة المصرفية العليا مناسباً وتحت سيطرتها.
- وجوب ضمان القانون التوافق مع الأطر القانونية الأوسع: قانون التجارة أو قانون الالتزامات والعقود، لتجنب التناقضات القانونية. ذلك أنه عادة ما يُحدد التعريف القانوني للودائع في التشريعات العامة، وليس في قوانين الحل المتخصصة.
- وجوب الإشارة في تعريف القانون إلى الأشخاص الطبيعيين، وليس إلى الكيانات القانونية.
التذاكي في إقرار القانون وإهمال نقاط الاعتراض الأساسية سيعرّضه لرفض صندوق النقد الدولي. ولأن لبنان مجبر على التقيد بتوصيات الصندوق والاتفاق معه لنيل بطاقة العودة الخضراء إلى الأسواق المالية العالمية، فإنه سيعيد الكرة مراراً وتكراراً إلى أن يخرج القانون بشكله النهائي والصحيح. لكن هذا الخروج قد يكون بعد سنين غير مقدرة على وجه التحديد، مع التأكيد أنها ستكون بعد الانتخابات التشريعية في 2026. وبذلك يستمر لبنان بـ"نزف" الوقت الذي قال عنه بنجامين فرانكلين في أواسط القرن الثامن عشر "إنه المال".