حين نسمع عن سيارة بقوّة 300 أو400 "حصان"، قد نتخيّل قطيعاً من الخيول المنطلقة في البراري، تعصف بالأرض بقوّتها وسرعتها وصهيلها. فما العلاقة بين هذه الكائنات العضليّة وبين محرّكات السيارات؟ ولماذا لا تزال وحدة "الحصان" تُستخدم حتى اليوم لقياس القوّة بالرغم من التقدّم العلمي والتقني؟

السرّ يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين كان العالِم الإسكتلندي "جيمس واط" يسعى لتسويق اختراعه الثوري "المحرّك البخاري"، وقد أراد "واط" إقناع أصحاب المناجم الذين كانوا يعتمدون على الخيول في سحب الأحمال الثقيلة، بأن محرّكه الجديد أكثر فعاليّة وكفاءة.

ببساطة، قرّر واط ترجمة قوّة محرّكه بلغةٍ مألوفة، فقد عمد الى مراقبة الخيول وهي تعمل، ووجد أن الحصان الواحد يمكنه نقل نحو 200 كيلوغرام لمسافة 20 متراً خلال دقيقة واحدة، ومن هنا، ابتكر وحدة "الحصان البخاري" (Horsepower) كوسيلة لربط الأداء الصناعي بالمجهود الحيواني الذي كان يشكّل مرجعية ذلك الزمان.

فعندما أكّد "واط" إن محرّكه ينتج قوّة تعادل 10 أحصنة، كان يعني أنه يستطيع أداء عمل 10 خيول في الوقت نفسه، وكانت هذه الصيغة المباشرة الأفضل والأسهل لإقناع أصحاب المناجم.

رغم مرور أكثر من قرنين على هذه المعادلة، لا تزال وحدة "الحصان" حاضرة بقوّة في عالم السيارات والآلات الثقيلة، ليس لأنها أدق وحدة فيزيائية، بل لأنها الأكثر إقناعاً بصرياً وذهنياً.

فحين يقال للمستهلك العادي، إن سيارة ما بقوة 500 حصان، تتكوّن في ذهنه صورة مجازية واضحة، قطيع من الخيول متراصة بعضها على بعض، منطلقة بسرعة، وينبعث منها الصهيل والغبار والقوّة.

وقد ساهمت شركات السيارات نفسها في ترسيخ هذه الصورة، مستفيدة من "الحصان" كرمز تسويقي لا يُقاوَم، يجسّد التفوّق والسيطرة والسرعة.

في يومنا هذا، ومع تطوّر التكنولوجيا خصوصاً في عالم السيارات الكهربائية والصواريخ والطيران، ظهرت وحدات قياس جديدة أكثر دقة، مثل "الواط " و"النيوتن "، لكن "الحصان" بقي صامداً لا سيما في عالم السيارات الرياضية، كرمز عاطفي وتاريخي من زمنٍ كانت فيه الخيول تُحرّك الاقتصاد.

قد تكون وحدات القياس مجرّد أرقام، لكن "الحصان" أثبت أنه أكثر من ذلك.