حدثان نقديان منفصلان – مرتبطان يشهدهما لبنان. الأول، يتعلق بفرض ضريبة على المؤونات التي اتخذتها المصارف على سندات الدين بالعملة الأجنبية - "يوروبوندز". والثاني، فراغ الصرّافات الآلية (ATM’s) لبعض المصارف من الدولارات النقدية. فما الذي يحصل؟ وهل من ترابط بين الحدثين؟
تفاجأت المصارف اللبنانية بفرض "مديرية الواردات" في وزارة المالية، ضريبة بنسبة 17 في المئة على المؤونات التي كونتها المصارف لتغطية خسائر سندات "اليوروبوندز"، بناء على طلب مصرف لبنان. ووضع مهلة نهائية للتسديد تنتهي في 31 آب الجاري.
قصة اليوروبوندز... باختصار
وللتوضيح، اعتادت الدولة اللبنانية قبل الانهيار على استدانة العملة الصعبة من المصارف، بشكل أساسي، عبر اليوروبوندز. فقامت بإصدار سندات دين، بقيمة 100 دولار للسند الواحد على فترات زمنية متباعدة. وتعهدت بإرجاع أساس المبلغ - أي المئة دولار عن السند الواحد - مع الفوائد عليه بعد فترة زمنية محددة. وبلغت قيمة السندات المُصدرة حوالي 31 مليار دولار. اكتتبت المصارف بنحو 17 مليار دولار، ومصرف لبنان بنحو 5 مليارات دولار، وتوزع الباقي بحوالي 8 مليارات دولار على مصارف وشركات تأمين وصناديق خارجية. وفي 7 آذار 2020 أعلنت الدولة تعليقها دفع الديون. حيث كان المطلوب من الدولة في ذاك العام تسديد نحو 4.6 مليار دولار من سندات "اليوروبوندز" وفوائدها، وتستحق الدفعة الأولى منها في 9 آذار (أي بعد يومين من التخلف عن السداد). وما حصل أن السندات التي تحملها المصارف والتي أصبحت تُقدّر وقتها بقيمة 13 مليار دولار أصبحت ديون معدومة، يتوجب أخذ مؤونات (مخصصات) عليها. ففرض مصرف لبنان في التعميم الوسيط رقم 567 (قرار أساسي رقم 13259، بتاريخ 26 آب 2020) على المصارف، أخذ مؤونات بنسبة 45 في المئة على السندات السيادية المصدّرة بالدولار Eurobonds. وأعاد في التعميم الوسيط رقم 649 الصادر في نهاية عام 2022 رفع النسبة إلى 75 في المئة على الديون المشكوك بتحصيلها. بمعنى أنه ألزم المصارف تجميد 75 دولارا مقابل كل سند دين يحمله بالعملة الاجنبية.
مجمل ما دُفع على التعميمين 158 و166 وصل في تشرين الثاني 2024 إلى نحو3 مليارات و400 مليون دولار
كلفة الضريبية 2 مليار دولار
هذه المبالغ المجمدة أثارت شهية وزارة المالية. وذلك على الرغم من انخفاض صافي ما تحمله المصارف من سندات إلى نحو 11 مليار دولار فقط، بسبب عمليات البيع التي أجرتها طيلة سنوات الانهيار، إما لتأمين السيولة، وإما للتوفير من أخذ المؤونات على هذه السندات. وعملياً فإن "فرض ضريبة بنسبة 17 في المئة سيكلف نحو 2 مليار دولار"، بحسب رئيس فريق الأبحاث الاقتصادية في بنك بيبلوس نسيب غبريل. هذا من حيث الشكل، أمّا في المضمون، وهو الأهم فإن "الضريبة تكون على الأرباح المحققة، فيما المؤونات هي على خسائر محتملة". وإن كان من إجراء طارئ يجب أن تتخذه الحكومة فهو "إعادة إصلاح التخلف عن سداد الديون"، يضيف غبريل، و"إن كانت بحاجة إلى مصادر تمويل سريعة، فالأجدر بها مكافحة التهرب الضريبي والجمركي، والتهريب عبر الحدود، ومحاربة اقتصاد الظل و تفعيل الجباية. فمستحقات الكهرباء وحدها على المؤسسات العامة تبلغ شهريا حوالي 10 مليون دولار، لا تجبي الكهرباء منها إلا ما بين مليون ومليون و500 ألف دولار فقط.
الدفعات الشهرية للمودعين في خطر
" سبق للدولة أن اقتطعت 82 في المئة من قيمة هذه السندات نظراً لهبوط سعرها إلى 18 دولار للسند الواحد نتيجة تخلفها عن الدفع"، حسب بيان الأمين العام لجمعية المصارف فادي خلف، وعليه فإن "فرض الضريبة على الخسائر من قبل من تسبّب بها، سابقة تستاهل براءة اختراع عالمية". وهي بحسب خلف ستؤدي إلى "سحب مئات ملايين الدولارات، وقد تصل إلى مليار دولار، من سيولة المصارف – أي من أموال يُفترض أن تُسدد للمودعين. والتأثير على قدرة المصارف على الالتزام بتسديد الدفعات الشهرية للمودعين، في حال تجفيف سيولتها لتمويل عجز الدولة عبر ضرائب مجحفة". وبالتالي فإن "عدم معالجة موضوع المؤونات على "اليوروبوندز" بحكمة، عبثًا يحاول المجلس النيابي إصدار قوانين للمعالجة، لأنه لن تتبقّ مصارف لإعادة هيكلتها".
"المالية" تنفي
وزارة المالية من جهتها اعتبرت أن "ما يثار حول الضرائب المتوجبة على المؤونات المكونة مقابل سندات الدين الحكومية بالعملة الأجنبية، فيه التباس واضح"،.ونُقل عن الوزير قوله إن الموضوع الأساسي يبقى في إطار تطبيق القوانين، كاشفاً عن دراسة أعدتها مديرية الواردات حول هذه الضرائب بيّنت ان المبالغ الاجمالية لكل العمليات لن تتجاوز الـ 20 مليون دولار، خلافاً للتخمين المثار حيال تقديرها بأكثر من مليار دولار. ووعد بإيضاحات ستصدرها مديرية الواردات وسيتم نشرُها لجلاء الوقائع كما هي عليه.
السيولة في خطر؟
الربط بين الضريبة المزعومة وتوقف بعض المصارف عن ملء صرّافاتها الآلية بالدولارات النقدية "في غير مكانه"، يقول غبريل. "ذلك أن المصارف اللبنانية تملك السيولة الكافية لتلبية التعميم 158 التي تدفعه مناصفة بينها وبين مصرف لبنان، فيما يقوم مصرف لبنان بدفع التعميم 166 بشكل كامل من احتياطياته، التي تعود اساساً وبالقسم الأكبر منها للمودعين". وبالنظر إلى حجم السيولة المصرفية التي تقاس بودائع المصارف المحلية في المصارف المراسلة، "نرى ان مجموع هذه الودائع بلغ لحد نهاية أيار الماضي 5 مليارات و200 مليون دولار"، بحسب غبريل. "إنما هذا المبلغ لا يمكن اعتباره سيولة جاهزة، إذ ان هناك حوالي مليارين و700 مليون دولار عبارة عن المخصصات المأخوذة على الأموال النقدية الموجودة في المصارف، والتي فرض مصرف لبنان أن تكون بنسبة 100 في المئة". بمعنى إن كان في المصرف 100 مليون دولار "فريش" دولار، يجب أن يضع مقابلها 100 مليون في المصرف المراسل نقداً، محررة من أي التزامات. وعليه فان "حجم السيولة تحت الطلب يقدر بنحو مليارين و500 مليون دولار". مع العلم ان هذا المبلغ ليس موزعاً بالتساوي على المصارف العاملة في لبنان المقدر عددها بـ 46 مصرفاً. فأكثرُها يعود إلى ما بين 8 و10 مصارف. وهو ما يُضطرّ بعض المصارف التي لا تملك السيولة الكافية إلى بيع أصول أو "يوروبوندز" لتلبية السحوبات حسب التعاميم. وهي قد تشهد بعض النقص في أوقات معينة سرعان ما تعود لتغطيته.