البخاري نقل معطيات إيجابية حول مستقبل الدور السعودي في لبنان وموقف الرياض من الاستحقاق الرئاسي  

دخل الاستحقاق الرئاسي في مدار الانجاز، وبات محور الاهتمام والمتابعة الآن حركة رئيس مجلس النواب نبيه بري وحركة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، وربما حركة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وكذلك حركة رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، على أن يتم انتخاب رئيس جديد في مهلة اقصاها منتصف حزيران المقبل.

واضح للمعنيين والمتتبعين أن البخاري عاد بـ"كلمة سر" ما، أودعها لدى بري ليتمّ العمل بها أو لتعميمها في الوقت المناسب، وتحديداً بعد انجاز الاخراجات والترتيبات اللازمة لانجاز الاستحقاق، وربما تتضح عند توجيه برّي الدعوة إلى الجلسة النيابية الثانية عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية، وهو كان أقسم على عدم الدعوة إليها ما لم تكن ناجزة، بحيث يتم الاتفاق مسبقاً قبلها على الرئيس العتيد أو على أن تسودها معركة ديموقراطية بين مرشحين أو أكثر إذا تعذر اتفاق جميع الكتل النيابية والنواب على مرشح توافقي.

البخاري عاد بـ"كلمة سر" ما أودعها لدى بري 

واللافت أن البخاري، وعلى رغم استهلاله جولته بزيارة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، حرص بعدها على أن يزور بري، أولاً كونه المعني الأول والمباشر بإدارة العملية الدستورية لانتخاب الرئيس، وكونه ثانياً يمثّل كتلة "الثنائي الشيعي" الكبرى التي تدعم ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، فأودع لديه ما أودعه.. والبقية تأتي، قبل أن ينتقل إلى معراب للقاء جعجع رئيس ثاني اكبركتلة نيابية مسيحية بعد كلتة "التيار الوطني الحر"، وهما كتلتان تعارضان بشدٌة حتّى الآن ترشيح فرنجية ولكنهما لم تتمكّنا حتى الآن من الاتفاق بينهما على مرشح ينافسه.

وقد اختلفت التسريبات والتحليلات حول ما يحمله البخاري، وخصوصاً بعد لقائه كل من بري وجعجع، فالذين تسنّى لهم معرفة أجواء اللقاء مع برّي قالوا أن البخاري نقل معطيات إيجابية حول مستقبل الدور السعودي في لبنان وموقف الرياض من الاستحقاق الرئاسي، مؤكّداً أنّ على اللبنانيين أن يتفقوا في ما بينهم ويأخذوا دورهم لإنقاذ لبنان وتحقيق استقراره، وأنّ المملكة تدعم هذا الاستقرار وتشدّد عليه بقوة. 

في حين قال مصدر آخر أنّ مجرّد عدم صدور أي موقف سلبي عن البخاري ازاء فرنجية فإنّ هذا يدلّ على أن الرياض تنظر بإيجابية إليه وهذه خطوة يمكن التوقّف عندها طويلاً.

إلّا أنّ ما لفت الانتباه هو أنّ البيان الذي وزعه المكتب الاعلامي لجعجع بعد لقائه البخاري، إنّما تأخّر صدوره إلى ما بعد ما وزعه المكتب الاعلامي لبرّي عن لقائه معه، والذي أرفقه بصورة لبري والبخاري والابتسامات العريضة تملأ محياهما. وقال البخاري من عين التينة أنّ "الموقف السعودي يُشدِّد على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية قادر على تحقيق ما يتطلّع إليه الشعب اللبناني الشقيق وأنّ المملكة لا ترتضي الفراغ الرئاسي المُستمرّ الذي يُهدِّد استقرار الشعب اللبناني ووحدته". وخلى من أيّ تعبير عن المواصفات التي يفترض بالرئيس العتيد أن يتحلّى بها وهي أن يكون "سياديا وغير متورّط بفساد مالي أو سياسي" كما كان البخاري يردّد في مرحلة ما قبل الاتفاق السعودي ـ الايراني.

في حين وزع المكتب الاعلامي لجعجع بعد لقائه والبخاري ما حرفيته: "تباحث المجتمعون في التطوّرات السياسية في البلاد ولا سيما منها الاستحقاق الرئاسي، حيث كان موقف المملكة واضحاً لجهة اعتبار الانتخابات الرئاسية شأناً سيادياً لبنانياً ويعود للبنانيين مسألة تقرير من سيكون الرئيس المقبل، وتقف المملكة خلف الشعب اللبناني في خياراته".

ويلاحظ المتتبعون أنّ موقف البخاري بعد لقائه بري وفي ما ورد في بيان المكتب الاعلامي لجعحع الذي أضفى صفة "السيادي" على الرئيس العتيد، تلاقى تقريباً مع الموقف الإيراني الذي عبّر عنه وزير الخارجية الايرانية أمير حسين عبداللهيان في خلال زيارته الأخيرة للبنان، حيث اعتبر أنّ انتخاب رئيس الجمهورية هو شأن داخلي لبناني لا تتدخل فيه بلاده وأن على اللبنانيين أن يتفقوا على رئيس لبلادهم وأن إيران ترحّب وتدعم ما يتفقون عليه.

جنبلاط

لكن ما استرعى انتباه الأوساط السياسية قبل عودة بخاري من الرياض إعلان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط انسحابه من معركة طرح الأسماء لرئاسة الجمهورية، مؤكّدا أنه يترك مصير الاستحقاق الرئاسي لكل من حزب الله و"القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" وحزب الكتائب، ما دلّ إلى أنّ الرجل قرر العودة إلى سياسة الانتظار عند ضفة النهر أو الوقوف على التلّة انتظاراً لمعرفة مجري الريح ليتماهى معه وتحديد مصالحه وموقعه في المرحلة المقبلة.

لكن تبيّن لبعض الأوساط العارفة برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي أنّ موقف جنبلاط هذا نتج من اكتشافه أن المزاج الخارجي، وتحديداً السعودي، ازاء الاستحقاق الرئاسي والترشيحات المطروحة في شأنه، قد تبدّل لمصلحة فرنجية، بدليل قول النائب الاشتراكي وائل ابو فاعور بعد يومين على عزوف جنبلاط عن ترشيح أي اسم بعد الآن لرئاسة الجمهورية، أن المملكة العربية السعودية "تعيد قراءة موقفها من ترشيح فرنجية"، ما يعني أنّ المملكة تغير موقفها إيجاباً ازاء فرنجية على رغم من انّه لم يصدر عنها أي موقف سلبي ضدّه وإنّما بعض الأطراف السياسية اللبنانية المحسوبة عليها، أو الحليفة لها، سوّقت لوجود "فيتو" سعودي عليه. علماً أنّ كلام ابو فاعور جاء غداة الحوار المتلفز لفرنجية والذي أكّد فيه أنّه لا يمكن أن يكون مرشّح تحدّ للسعودية.

البخاري نقل معطيات إيجابية حول مستقبل الدور السعودي في لبنان وموقف الرياض من الاستحقاق الرئاسي 

وثمة من قال أنّ البخاري حمل إلى بيروت فعلاً كلمة سر ما، إلّا أنّ أوان البوح بها لم يحن بعد، في انتظار تحقّق مزيد من خطوات بناء الثقة على خط الرياض ـ طهران الذي سيتعزز بعد زيارة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي المقررة للرياض خلال الشهر الجاري، ويتوقّع أن يعلن موعدها في اللقاء المقرّر في طهران قريباً بين وزيري خارجية البلدين، خصوصاً وأنّ وزير الخارجية الإيراني، أعلن خلال زيارته الأخيرة للبنان أنّه وجه دعوة لنظيره السعودي لزيارة العاصمة الإيرانية.

أمّا على صعيد ما يحكى من تواصل بدأ أو سيبدأ بين الرياض وحزب الله فإن مصادر المعنيين تؤكّد أنّ هذا التواصل لم يحصل علناً بعد، ولكن الأمر وارد في أي وقت وسيكون طبيعياً في ضوء التطور المضطرد في العلاقة السعودية الإيرانية والسعودية – السورية.

يبقى أن الأوساط المعنية بالاستحقاق الرئاسي تترقّب ما سيكون عليه مصير العلاقة بين حزب الله و"التيار الوطني الحر"، وفيما يتحدث البعض عن وجود توجّه لدى الحزب للتواصل على مستوى رفيع بينه وبين رئيس التيار جبران باسيل للتحاور معه في شأن الاستحقاق الرئاسي وإمكان اقناعه بتغيير موقفه ايجاباً من ترشيح فرنجية. يقول مصدر مطّلع على موقف الحزب أن هناك قناة تواصل موجودة بين الجانبين ولكنّها لم تحقّق أيّ تقدّم بعد، وأنّ الأمر متروك لمرحلة الدخول في اللحظات الحاسمة على مستوى انجاز الاستحقاق الرئاسي.