تؤكّد كلّ التّطورات الجارية محلّيّاً وإقليميّاً ودوليّاً أنّ العدّ العكسي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني قد بدأ، وبات أمام بضعة أسابيع لتأمين الاخراج المطلوب، وكلّ ما يحصل من حراك ومن مواقف تصعيدية من هنا أو هناك ليس إلّا محاولات يائسة لتغيير ما كتب في الدوائر المهتمة أو تأخير ترجمته على أرض الواقع أملاً في حصول تطورات تقلب ظهر المجن...

كلّ المؤشّرات تدلّ حتى إشعار آخر إلى أنّ رئاسة الجمهورية آيلة إلى رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وأنّ ما يعكس هذه الحقيقة في رأي معنيين بالاستحقاق الرئاسي هي ردود الفعل العنيفة التي تصدر عن بعض أقطاب الفريق المعارض، ولا سيما منهم رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، اللذين يتوعدان باستحالة أو منع وصوله إلى سدّة رئاسة الجمهورية، فيما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قرّر أخيراً الانسحاب من ساحة الترشيحات بقوله "إنّني لن أرشّح أحداً للرئاسة، وليقرّر الكبار في ‏هذا الأمر مثل حزب الله ورئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران ‏باسيل والتغييريّون"، وكأنّه بهذا الموقف يحمّل كل هؤلاء المسؤولية عن التأخير في انجاز الاسستحقاق الرئاسي.

والواقع أنّ عارفي جنبلاط يقولون أنّ ما دفعه إلى هذا الموقف هو ما التقطته "لواقطه" التي يشتهر بها من معطيات حول الحراك الجاري خارجياً ومحلياً حول الاستحقاق الرئاسي، وتحديداً على خطّ الرّياض ـ طهران ـ باريس المنسّقة مع واشنطن.

فبعد ساعات على وصول وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى بيروت في زيارة تدوم ثلاثة أيام، عاد السفير السعودي وليد البخاري من الرياض إلى رأس عمله، فيما تنشغل باريس بالتحضير لزيارة سيقوم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للرياض قريباً وقد تسبق القمّة العربية المقرر انعقادها في 19 أيار المقبل في السعودية.

ويقول المعنيّون بالاستحقاق الرئاسي أنّ الرياض وباريس اتفقتا على كل بنود جدول أعمال المحادثات بينهما ويتصدّره الملفّ اللبناني بموافقة الجانب السّعودي على عكس القمّة السعودية ـ الفرنسية السابقة، حيث رفضت الرياض إدراج لبنان في جدول أعمالها، لوجود تباين في الموقف منه بين الجانبين. أمّا الآن وبعد الاتفاق السعودي ـ الإيراني فقد اختلف الأمر، خصوصاً وأنّ هذا الاتفاق بدا وكأنّه أشبه بكاسحة ألغام تمضي في طريقها لإنهاء كل بؤر النزاع والخلافات في المنطقة ومنها لبنان.

وأكثر من ذلك فإنّ ما رشح من حركة السفيرة الفرنسية آن غريو واتصالاتها يفيد أنّ تلاقٍ حصل بين الرياض وباريس، يصبّ في مصلحة ترشيح فرنجية في ضوء ما نقلته الإدارة الفرنسية منه إلى الجانب السعودي بعد محادثاته الأخيرة في قصر الاليزيه مع المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل. ويبدو أنّ هذا الأمر هو ما دفع الرياض هذه المرة إلى الموافقة على إدراج ملفّ لبنان في جدول أعمال القمة الفرنسية ـ السعودية المرتقبة.

حزب الله وبن سلمان

وعلم في هذا المجال أيضا أنّ فرنجية الذي كان له لقاء طويل مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبيل زيارته الأخيرة لباريس، نقل إلى الجانب السعودي عبر الجانب الفرنسي أنّ حزب الله يدعم ويؤيد مسيرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الإصلاحية في المملكة، وأنّه مستعد للتعاون معه في كل ما يتعلق بمعالجة قضايا المنطقة. ويبدو أنّ هذه المعطيات هي التي تكمن خلف ما يتردد هذه الأيام عن حوار وتواصل مرتقب سيحصل بين القيادة السعودية وحزب الله. كذلك فإن هذا الأمر هو أحد الأسباب الإضافية لتوتّر بعض القوى السياسية اللبنانية التي تصنّف نفسها حليفة للسعودية، وربما يكون هذا الأمر أيضاً من ضمن المعطيات التي التقطتها اللواقط الجنبلاطية...

على أنّ السفيرة الفرنسية عكست أمام من تلتقيهم ارتياح الجانب الفرنسي إلى ما سمعه من فرنجية، ولكنّها استغربت الحملة على الرّجل وتصويره على أّنه مرفوض سعودياً، في الوقت الذي لم تعلن الرياض أي موقف سلبي منه في الأساس، رغم حديث حلفائها اللبنانيين عن أنّها تضع "فيتو" عليه. ولكن الأدهى هو الجانب الأميركي الذي يقول لزواره اللبنانيين أنّه يستغرب "تبنّي" فرنسا لترشيح فرنجية وأنّها "تجتهد" خارج التفويض الأميركي المعطى لها، فيما ما أبلغته واشنطن علناً عبر سفيرتها في بيروت دوروثي شيا أو على لسان مساعدة وزير الخارجية باربرا ليف هو أنّ ليس لواشنطن مرشحاً للرئاسة اللبنانية وأنّها ترغب في إجراء الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت، وأنّها ستتعامل مع أي رئيس يتفق اللبنانيون على انتخابه. ولكن تحت وابل كل ذلك اضطر الفرنسيّون إلى إصدار بيان يعلنون فيه أنّ ليس لديهم أيّ مرشّح معيّن للرئاسة اللبنانية، لأنّهم شعروا بإحراج كبير نتيجة الحملة التي شنّها عليهم الأفرقاء المعارضون لفرنجية.

عبداللهيان طروحات واستطلاع

وفي هذه الأجواء تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني للبنان، وهي الأولى له بعد الاتفاق السعودي ـ الإيراني لتتويج المناخ الإيجابي الذي أرساه في المنطقة، وللدفع في اتجاه تمكين اللبنانيين من انجاز استحقاقاتهم الدستورية.

وحسب مصدر مطّلع على جدول أعمال هذه الزيارة فإن عبداللهيان آتٍ من سلطنة عمان على أن ينتقل من لبنان إلى سوريا، وأنّ محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين ومع قيادة حزب الله ستتناول اتفاق بكين ونتائج التفاهمات الجارية في المنطقة، وكيفية استثمارها في لبنان على قاعدة "أنّنا في مرحلة مصالحة تتطلب تعاطىٍ مختلف مع المرحلة المقبلة، سواء على المستوى السّعودي ـ الإيراني أو المستوى السّعودي ـ السّوري أو السّوري ـ الخليجي".

ويضيف المصدر: "يدرك الإيرانيون أنّ استمرار أزمة لبنان على ما هي عليه يجعل المرحلة المقبلة أكثر سوداوية، خصوصاً وأنّ هناك استحقاقات مقبلة كحاكمية مصرف لبنان وغيرها، ولذلك جاء الوزير عبداللهيان حاملاً بعض الطروحات التي أشار اليها إثر وصوله في محاولة لاستطلاع آراء اللبنانيين حول كيفية حلّ الأزمة، والتعاون مع جميع الكتل النيابية باستثناء كتلة "القوات اللبنانية"، إذ سيكون له لقاء مع ممثّلي هذه الكتل للاستماع إلى ما لديهم من طروحات للحل".

ويسجّل المصدر أنّ اللقاء مع الكتل النيابية هو الأول من نوعه لمسؤول إيراني، فعادة كانت زيارات المسؤولين الإيرانيين للبنان تقتصر على لقاءات مع المسؤولين اللبنانيين، أمّا توسيع مروحة اللقاءات هذه المرّة فالغاية منها الاستماع إلى الطروحات والآراء حول سبل حلّ الأزمة وليس الظهور بمظهر المتدخّل في الشأن الرئاسي، على أن يتمّ عرض نتائج هذا الاستطلاع مع الجانب السّعودي لاحقاً".