خالد أبو شقرا

الانشِغال الكبير بالزيادات التي أقرّتها الحكومة على رواتب القطاع العام، حرف الأنظار عمّا ناله القطاع الخاص. ممثلو العمال "لبدوا" على "عكرِ" ما اتفقوا عليه مع أرباب العمل من إضافات لا تُسمن المستخدَمين، ولا تُغني الضمان الاجتماعي عن جوع عتيق. فتغاضوا عن تحصيل أقصى الممكن من الحقوق لصالح الأجراء، تحت وهم الشعارات الخادعة، وأشهرها "خُذ وطالب". فحصّلوا القليل، وذهبت المطالبات أدراج الرياح.

تَرجم مجلس الوزراء في جلسة 17 نيسان القرارات المتّفق عليها بين مثلّث قوى الإنتاج المكوّن من: الدولة مُمثّلة بوزارة العمل، الاتحاد العمالي العام مُمثّلاً للعمال، والهيئات الاقتصادية مُمثّلة لأرباب العمل.  فتم تحديد الحدّ الأدنى لأجور المستخدمين بـ 9 ملايين للأجر الشهري، والحدّ الأدنى الرسمي للأجر اليومي بـ 400 ألف ليرة لبنانية. كما جرى إقرار زيادة غلاء المعيشة بقيمة 4,500,000، والنّقل اليومي بقيمة 250,000 ليرة. وحدّد الحدّ الأدنى الخاضع للحسوم لفرع التعويضات العائلية بـ 3,425,000 ليرة لبنانية".

المشكلة بما جرى إقراره تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

  • الحد الأدنى يتراجع 78.8٪

أن ما جرى إقراره من رفع للحدّ الأدنى للأجور يقل بنسبة 78.8 عما كان يتقاضاه الأجير قبل الانهيار. إذ تراجع الحدّ الأدنى بالعملة الصعبة من 450 إلى 95 دولاراً. ذلك مع العلم أنّ غالبية المنتجات والخدمات أصبحت تباع بـ "الفريش" دولار، وبسعر يناهز ما كانت عليه قبل الانهيار.

  • تراجع التقديمات الاجتماعية

الثاني، الاستمرار بعدم التّصريح للضمان الاجتماعي عن القيمة الحقيقية للأجور. الأمر الذي يحرمه من إمكانية زيادة تقديماته الصحّية والاستشفائية ورفع قيمة تعويضات نهاية الخدمة. وهنا لا نتحدث عن عدم التصريح عن الزيادات التي تعطى بالدولار من خارج الرواتب المصرّح عنها، إنّما أيضاً عن إقرار مجلس الوزراء رسمياً أن "الحدّ الأدنى الخاضع للحسوم لفرع التعويضات العائلية هو 3,425,000 ليرة لبنانية، وليس 9 ملايين ليرة". "فلم يكتفِ أرباب العمل بتخفيض حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري نسبة التعويض العائلي المتوجبة للضمان من 15 في المئة إلى 6 في المئة، لتأتي هذه الحكومة لتؤكد احتسابها على أساس أقلّ من نصف الحدّ الأدنى للأجور، وليس على كامله كما تقتضي القوانين"، يقول النقابي أديب أبو حبيب. "وهو الأمر الذي يعتبر التفافاً على قانون الضمان الاجتماعي، وحرمانه من مصادر التّمويل الأساسية التي تعود بالفائدة على العمال".

  • الضرائب على الحدّ الأدنى

الثالث، خضوع الحدّ الأدنى للأجور إلى ضريبة الدخل. فبحسب تعديل المادة 58 (رواتب وأجور) من المرسوم الاشتراعي 144/1959 (قانون ضريبة الدخل) والمعدّلة بموجب موازنة 2019 تخضع الرواتب والأجور إلى ضريبة دخل تتراوح بين 2 و25 في المئة بحسب الشطور. وهي مقسّمة على الشكل التالي:

ضريبة بنسبة 2 في المئة على الشطر الواقع بين 0 و18 مليون ليرة.

ضريبة بنسبة 4 في المئة على الشطر الواقع بين 18 و45 مليون ليرة.

ضريبة بنسبة 7 في المئة على الشطر الواقع بين 45 و90 مليون ليرة.

ضريبة بنسبة 11 في المئة على الشطر الواقع بين 90 و180 مليون ليرة.

ضريبة بنسبة 15 في المئة على الشطر الواقع بين 180 و360 مليون ليرة.

ضريبة بنسبة 20 في المئة على الشطر الواقع بين 360 و675 مليون ليرة.

ضريبة بنسبة 25 في المئة على الشطر الذي يزيد عن 675 مليون ليرة.

وعليه سيترتّب على الحدّ الأدنى للأجور البالغ سنوياً 108 مليون ليرة، ضريبة دخل بنسبة لا تقل عن 2 في المئة، حتى بعد احتساب التنزيل الفردي بقيمة 37.5 الذي أقرّته موازنة 2022. في حين أن كان ضعفي الحدّ الأدنى للأجور، معفياً من ضريبة الدخل. "ومع الأسف فإن هذا الحق قد "أكل"، أي جرى التغاضي عنه، عندما رُفع الحدّ الأدنى للأجور إلى 675 ألف ليرة في العام 2011. "حيث بقيت قيمة التنزيلات العائلية 625 الف ليرة شهريا، في حين حدّد الحدّ الأدنى للأجر بـ 675 ألف ليرة"، يقول الخبير المحاسبي المجاز الأستاذ جوزيف متى. "ولم يحدث في العالم أن تمّ فرض ضريبة على التنزيل العائلي. إنّما هذا حصل في لبنان مع زيادات الحدّ الأدنى للأجور من دون الاخذ في عين الاعتبار رفع قيمة التنزيلات العائلية. حيث بقي التنزيل العائلي يتحمّل جزءاً من الضريبة بشكل مخالف للقانون 67 الذي يؤكّد عدم خضوع التنزيل العائلي للضريبة. وهذا حصل على مدى سنوات نتيجة المساومة بين الهيئات الاقتصادية وبين وزارة المالية".

  إخضاع التعويضات لضريبة الدخل!

مشكلة أخرى لا تقلّ خطورة مع الدولة تواجه العمال في القطاع الخاص هو عدم تطبيق المادة 36 التي أقرّت في موازنة 2022. وتنصّ هذه المادة على إعفاء التعويضات التي تعطى للمستخدمين والعمّال نتيجة صرفهم من الخدمة أو استقالتهم من ضريبة الدخل. وذلك خلال الفترة الممتدة من تموز 2019 ولغاية أيلول 2022. وهو ما يفاقم الأعباء على الموظفين ويجعل من الموضوع قضية رأي عام، في ضوء استقالات جماعية حصلت ووصلت في بعض الحالات إلى عشرات الموظفين في شركة واحدة. ويخالف كذلك الاسباب الموجبة التي وضعت من أجلها هذه المادّة وهي مساندة موظفي القطاع الخاص في الضائقة الاقتصادية القائمة والتي سبّبت في صرفهم أو استقالتهم، مع التأكيد على المبدأ الدستوري القاضي بعدم جواز إثراء أرباب العمل على حساب موظفيهم السابقين.

اسئلة كثيرة تطرح في هذا الملف مثلاً من يراقب الشركات والمؤسسات التي اقتطعت من التعويضات ما هو بالدولار "الفريش" وسدّدت الضريبة على سعر صرف 1500؟ ما دور وزارة العمل في التسويات التي تمً توقيعها بين أرباب العمل والموظفين لضمان حقوق الطرفين؟ وهل تضع وزارة المال وسائر السلطات النصوص القانونية لتطبيقها أم لتبقى حبراً على ورق؟

مشاكل وعقبات كثيرة تتطلّب الاهتمام من المسؤولين بالدّرجة الأولى، والمتابعة الحثيثة لئلا يكون ما يُقرّ للموظفين من مساعدات، على بساطتها، يُقتطع منه من دون وجه حق. وبحسب وزير العمل مصطفى بيرم فإن "لا صلاحيات للجنة المؤشّر التي أقرّت الزيادات على الرواتب والأجور بتعديل القوانين المرتبطة بها لجهة التنزيلات العائلية والضرائب.. وغيرها الكثير من الأمور. وهذا يتطلّب المراجعة مع وزارة المالية. وقد أكّد بيرم على متابعته الموضوع مع وزير المال لتذليل العقبات التي تساعد العمال قدر المستطاع في هذه الظروف العصيبة.