"استعادة السيطرة على الحدود!"، شعار سياسي يتردد صداه في مختلف أنحاء العالم. ففي الولايات المتحدة، تتكفّل إدارة ترامب السابقة بتكاليف إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية. أما في بريطانيا، يسعى رئيس الوزراء كير ستارمر إلى استعادة السيطرة على حدود بلاده بهدف تقليص أعداد المهاجرين، سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين. وقد صرّح قائلاً: "نخشى أن نصبح جزيرة من الغرباء"، وهو زعيم لحزب العمال! أما في الدنمارك، تتصدّر اليسار قائمة المطالبين بتقييد الهجرة. فالحزب الاجتماعي الديمقراطي، بقيادة رئيسة الوزراء ميته فريدريكسن، يعتبر أنه بخوضه سياسات استقبال سخية، قد خان الطبقات الشعبية.

أما الفرنسيون، فيُظهر استطلاع أجراه مركز Crédoc لصالح مركز الأبحاث "تيرا نوفا" اليساري، أنّ الأغلبية تفضّل "هجرة انتقائية" تُراعى فيها "الحاجات الاقتصادية" للبلاد. المفارقة أن هذا المركز نفسه كان قد أوصى عام 2011 الأحزاب اليسارية بالتخلي عن استهداف الطبقة العاملة كقاعدة انتخابية! ومما لا شك فيه أن غياب سياسة ديموغرافية واضحة في فرنسا قد يؤدي إلى استمرار التراجع السكاني. وتشير التقديرات إلى أن فرنسا ستحتاج إلى استقبال نحو 310 آلاف مهاجر سنوياً حتى عام 2040 من أجل تمويل نظامها الاجتماعي وتلبية النقص الحاد في اليد العاملة... إلا إذا تم الاعتراف بأن إصلاح هذا النظام ومكافحة الاحتيال المرتبط به قد يشكلان حلاً أكثر فاعلية!

يواجه الاقتصاد الفرنسي أزمات حادة في قطاعات عدة تعاني من نقص في الكفاءات. تشمل هذه القطاعات الفنيين والمراقبين في مجالات الخدمات المالية والمحاسبة، الأطباء، والفنيين في الصيانة العامة والهندسة الميكانيكية الصناعية. كذلك، هناك طلباً في مهن لا تتطلب مؤهلات عالية، مثل قطاع البناء، وأعمال التنظيف، ومرافق الخدمات الاجتماعية.

في هذه المهن المُهمّشة، غالباً ما يشغل المهاجرون هذه الوظائف. يشير معدّو تقرير "تيرا نوفا" إلى أن "قيامهم بهذه الأعمال التي يصعب إيجاد عمال لها، يساهم بشكل مباشر في استقرار سوق العمل وحسن سيره في فرنسا." لكن، وفي بلد يضم قرابة 6 ملايين عاطل عن العمل، ألن يكون من الأجدى تأهيل نسبة كبيرة منهم لسد هذا العجز؟

الفرنسيون وإن كانوا يريدون هجرة انتقائية، إلا أن ذلك لا يعني أنهم يتغاضون عن الهجرة غير الشرعية. فبحسب مؤسسة IFRAP، يُقدّر عدد المهاجرين غير النظاميين في فرنسا ما بين 780 ألفاً و900 ألف، أي ما يقارب الضعف مقارنة بعام 2015! هذه التقديرات مبنية على معطيات غير مباشرة مثل عدد المستفيدين من المساعدات الطبية الحكومية (AME) والإحصاءات المتعلقة بمجموعات الهجرة.

كيف يمكن التصدي للهجرة الغير الشرعية في ظل هشاشة نظام الحدود في فضاء "شنغن"؟ خصوصًا مع التهديدات المناخية التي ستدفع شعوباً بأكملها إلى الهجرة القسرية؟ هذا التساؤل لم تتطرّق إليه "تيرا نوفا". غير أن الفرنسيين ينتظرون أجوبة سياسية حاسمة. وقد تكون سياسة الحصص في سوق العمل، على غرار النموذج الكندي، أحد الحلول الممكنة.

ففي الوقت الذي تتجه فيه دول الشمال الأوروبية، ذات التوجه الاجتماعي الديمقراطي، نحو سياسات أكثر صرامة تجاه الهجرة، هل تصبح فرنسا "المضخة الجاذبة" للهجرة غير الشرعية في أوروبا التي ترفضها؟

الهجرة... هل هي أداة للاندماج والتنمية الاقتصادية؟

أوروبا لا تزال منقسمة حول هذا الملف، رغم أن حدودها تُدار ضمن فضاء "شنغن" الموحد.

أوروبا ليست بخير.