يتجه كل من لبنان وسوريا نحو علاقة جديدة بينهما في ظل رئاسة أحمد الشرع للمرحلة الانتقالية، تختلف جذريًا عن علاقة الوصاية التي مارسها النظام السوري السابق على لبنان على مدى عشرات السنين.

وتشدد المواقف التي تصدر عن المسؤولين في البلدين من حين الى آخر على مبادئ السيادة والندية المتبادلة، وليس الوصاية. فالشرع يؤكد من حين الى آخر أن سوريا "لن تتدخل في شكل سلبي في لبنان". يأتي هذا الموقف في الوقت الذي أُلغيت الأطر القديمة التي تحكم العلاقة اللبنانية ـ السورية. من هذه الأطر "المجلس الأعلى اللبناني السوري" و"هيئة المتابعة والتنسيق" المنبثقان من "معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق" المعقودة في 22 أيار 1991 بتوقيع الرئيسين الراحلين السوري حافظ الاسد و اللبناني الياس الهراوي. وقد اعتبر البعض أن هذه المعاهدة وكل ما انبثق منها أدوات للوصاية السورية السابقة.

يلاحظ أن الزيارات الدبلوماسية المتبادلة ومنها زيارة رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام وبعض الوزراء في حكومته إلى دمشق والتي تركز على معالجة قضايا أمنية واقتصادية مشتركة، كضبط الحدود ومكافحة تهريب المخدرات والأسلحة، لم تعكس مباشرة اي محاولة لفرض سياسات معينة من جانب على آخر. في هذا السياق تلعب المملكة العربية السعودية دورًا محوريًا في مراقبة العلاقة اللبنانية ـ السورية الجديدة، حيث كانت قد استضافت قبل أسابيع اجتماعاً بين وزيري الدفاع في البلدين، وشاركت في الوساطة عبر زيارات المسؤول عن الملف اللبناني في الخارجية السعودية الأمير يزيد بن فرحان لبيروت ودمشق، التي ركزت على ضمان ألا تتجاوز العلاقات بين البلدين القرارات الدولية وفي مقدمتها القرارين 1701 و1559.

وفي هذه الاثناء وبناء على ضوء أخضر اميركي تحركت فرنسا واستقبلت الشرع في الآونة الأخيرة في قصر الاليزيه مؤكدة انها تدعم استقرار سوريا الجديدة ولكن بشروط، ومنها ترسيم الحدود مع لبنان وضمان ألا يكون أي من البلدين مصدر خطر على الآخر. ووجد بعض المراقبين في هذا الموقف ما يمنع الهيمنة التقليدية السورية على لبنان.

موجة غربية مقتنعة بوضع لبنان تحت الوصاية السورية لتكون وسيلة لإنهاء نفوذ حزب الله

وبادرت باريس استناداً الى نتائج اللقاء الأخير بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ونظيره اللبناني العماد جوزف عون إلى تسليم لبنان الخرائط الفرنسية للحدود اللبنانية ـ السورية الموضوعة منذ ايام الانتداب الفرنسي للبلدين وذلك لمساعدة البلدين على ترسيم هذه الحدود من مزارع شبعا جنوباً وصولاً الى عكارشمالاً. ملف الحدود من الملفات العالقة بينهما الى جانب عودة النازحين السوريين من لبنان، حيث يطالب الشرع بإعادة ودائع السوريين في المصارف اللبنانية كشرط غير مباشر. ولكن هذه القضايا التي قد تسبب توترًا بين البلدين لا تشير حتى الآن بالمباشر إلى أي محاولة لفرض وصاية جديدة على لبنان. مع العلم ان بعض الأوساط اللبنانية بدأت تتخوف من تبعية اقتصادية في ضوء حاجة لبنان إلى استجرار الكهرباء من الأردن وغير الأردن عبر سوريا، ما قد يُعتبر أحد أشكال الضغط الاقتصادي على لبنان رغم تأكيد الشرع أن التعاون بين البلدين سيكون "وفق ضوابط قانونية".

إلا أن سعي سوريا الجديدة الى الاندماج في المحيط العربي ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وإعلان الشرع في وقت سابق أن "إيران لم تجلب للمنطقة إلا السلاح والحرب"، قد يقلص احتمال عودة الوصاية السورية التقليدية على لبنان.

وفيما لا تشير التطورات الجارية إلى احتمال عودة "الوصاية السورية بنسختها القديمة الى لبنان وان العلاقة ستبنى على أساس المصالح المشتركة مشفوعة بضغوط دولية لضبط الحدود وترسيخ الأمن على جانبيها، إلا أن التحديات الماثلة على الحدود والنازحين تبقى مصدر خوف من إعادة إنتاج أشكال من التأثير السوري، لا تصل الى حد الوصاية المطلقة.

والدليل ما نُقل عن شخصية عربية مؤثرة قولُها لشخصية اميركية فاتحتها بمستقبل لبنان: "نحن غير مهتمين بلبنان، فهو يوجع الرأس. وان اللبنانيين تعودوا على ان يكونوا تحت الوصاية، والافضل اعادة وضع لبنان تحت الوصاية السورية".

زيارة رئيس الحكومة نواف سلام الاخيرة لدمشق واجتماعه مع الشرع التي ركزت على بلورة العلاقة اللبنانية ـ السورية في صيغة جديدة. الزيارة لم تحقق النتائج التي ارداها الجانب اللبناني بل تركت العلاقة مفتوحة على احتمالات وصيغ شتى.

‏سلام سأل والشرع أجاب بالآتي:

ـ لا ترسيم للحدود منفردا مع لبنان وأن سوريا تريد أن ترسم حدودها كلها مع كل من لبنان وقبرص وتركيا والعراق والأردن.

ـ إن إعادة النازحين السوريين من لبنان مرتبطة بالوضع الاقتصادي السوري وبتعطيل "قانون قيصر" الأميركي، وأن الأولوية الآن هي لمعالجة أزمة النازحين في الداخل السوري.

ـ أن الاتفاقات اللبنانية ـ السورية ليست أولوية في المتابعة في هذه المرحلة وأن سوريا تتمسك بهذه الاتفاقيات.

ـ إن سوريا مهتمة بضبط الحدود اللبنانية ـ السورية ولديها التزامات تمس أحد الدول المجاورة (إسرائيل).

وفي ما يتعلق بالسجناء السوريين في لبنان لم يحصل أي اتفاق في شأنهم بين سلام والشرع الذي ابدى اهتماماً بجماعة النظام السابق الذين لجأوا إلى لبنان وطالب بتسليمهم للسلطة السورية. وفي المقابل طلب رئيس الحكومة من الجانب السوري تسليم لبنان قتلة كمال جنبلاط وبشير الجميل.

وقد استنتج معنيون بهذه المعطيات بأن هناك موجة غربية مقتنعة بوضع لبنان تحت الوصاية السورية لتكون وسيلة لإنهاء نفوذ حزب الله فيه. فيما الواضح في رأي هؤلاء أن ما جرى في جرمانا وصحنايا وغيرها دلالة على أياد إسرائيلية تعمل لدفع الأقليات السورية إلى حضن إسرائيل وتغيير خريطة سوريا وتقسيمها.