خالد أبو شقرا
تعمل المنظومة كـ "المنشار"، في "عود" المواطنين "اليابس". طلوعاً "تأكل" ضرائباً ورسوماً غير مباشرة، ونزولاً "تأكل" تضخّماً ومزيداً من انهيار القدرة الشرائية. وبحسب الظاهر من معطيات، لن يطول اليوم حتى يدخل الاقتصاد في دوامة التضخم المفرط. فتفقُد الزيادات جدواها، مهما عظمت. ويخيّم شبح التّعطيل على ما تبقّى من قطاعات ومؤسّسات عامّة تعمل بـ "اللحم الحي".
بين الأول من كانون الاول 2022 ولغاية نيسان الحالي ارتفعت قيمة الرسوم على البضائع المستوردة، أو ما اصطُلح على تسميته بـ "الدولار الجمركي"، من 1500 ليرة إلى 60 ألف ليرة، أي ما يعدل 40 ضعفاً. في المقابل ارتفعت الرواتب في القطاع العام 7 أضعاف، وزاد الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص 14 ضعفاً. وارتفعت قيمة السحوبات من الحسابات بالعملات الأجنبية 1.8 ضعفاً، من 8000 ليرة إلى 15 ألف ليرة فقط.
ارتفاع حتمي بالأسعار
"بالنسبة المئوية، ارتفعت الرسوم على السّلع الخاضعة للدولار الجمركي في غضون أربعة أشهر بنسبة 97.5 في المئة. فالرّسم الجمركي بنسبة 35 في المئة على معلّبات الخضار مثلاً، كان يبلغ 524 ليرة على سعر صرف 1500 ليرة، أصبح 21 ألفا على سعر صرف 60 ألف ليرة. وبالتالي ارتفع سعر السّلعة من حدود 2000 ليرة إلى 118 آلف ليرة راهناً.
أما في ما خصّ الرفع الأخير للرسم الجمركي من 45 ألف ليرة إلى 60 الفاً، فهو سيزيد أسعار السلع غير المعفيّة من الرسوم بنسبة 5 في المئة بالحد الأقصى"، يقول نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي. "وهذا ينطبق على السّلع والمواد التي تدفع رسماً جمركياً بنسبة 35 في المئة. أمّا بالنّسبة للسّلع التي تدفع رسماً جمركياً ضئيلاً، أي 5 في المئة، فإن نسبة تأثّرها برفع الدولار الجمركي من 45 إلى 60 في المئة ستكون زهيدة جداً". وعليه يؤكّد بحصلي أنّ "معدل ارتفاع أسعار المواد الغذائية سيكون بين صفر و5 في المئة، في حال احتسبنا الزيادات على أساس دولاراً جمركياً بقيمة 60 ألف ليرة. أمّا في حال احتسابه على أساس سعر منصة صيرفة، فإنّ الأرقام ستزيد بطبيعة الحال بنسبة موازية لرفعه من 60 ألف ليرة إلى 86 ألفاً. وستزداد أكثر في حال عادت صيرفة لتشهد ارتفاعاً في سعر الصّرف بالتوازي مع ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية بالوتيرة التي شهدناها بين أوّل العام، ومنتصف آذار حيث وصل سعر الصّرف إلى حدود 140 ألف ليرة وصيرفة 90 الفاً.
تراجع الإيرادات
الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين يذهب أبعد من ذلك ليعتبر أنّ متوسط الارتفاع في الأسعار، حتى على السّلع المعفاة من الرّسوم الجمركية سيكون بحدود 10 في المئة. يعتمد شمس الدين في حساباته على دخول السلع المفروض عليها رسوما جمركية في تركيبة أسعار السلع المعفاة. ولنأخذ مثالاً على ذلك الجرّارات الزراعية، فهي معفاة من الرسوم، إلّا أنّ قطع غيارها وزيوتها ودواليبها... غير معفاة من الرّسم الجمركي. كذلك الأمر بالنّسبة للكثير من المواد الأولية المعفاة من الرسوم والتي يدخل في تكاليف نقلها ومتطلباتها اللوجستية سلعاً أخرى مفروض عليها رسوم جمركية. وعليه فإنّ المشكلة لا تكمن في تمويه زيادات الرسوم الجمركية والتقليل من تأثيرها الكبير على ارتفاع الأسعار ونسب التضخم فحسب، "إنّما بعدم تحقيقها مبتغى الدّولة في زيادة الإيرادات"، بحسب شمس الدين. فأمل الحكومة برفد الخزينة بآلاف مليارات الليرات من الرسوم الجمركية لن يتحقّق لثلاثة أسباب رئيسية وهي:
- تراجع الاستيراد، وخصوصاً في ما يتعلق بالكماليّات. وفي جميع الحالات فإنّ السوق مشبع بالبضائع ولاسيّما السيّارات، والسلع المعمّرة.
- ارتفاع نسب التهرّب والتلاعب في البيانات الجمركية، والتهريب.
- ضعف الرقابة.
وعليه فإنّ "زيادة الإيرادات ستكون أقلّ من المتوقع بما لا يقاس"، يقول شمس الدين. "وهذا ما يدفعنا إلى التفكير في حلول من خارج الصندوق لزيادة عائدات الدولة. وهي عديدة، ومنها:
- احتساب الرسوم على الأملاك البحرية بقيمتها الحقيقية وليس زيادتها 3 أضعاف بالليرة كما يحكى.
- فرض ضريبة على الاستهلاك فوق حد معين من مادة البنزين.
- فرض ضريبة على العمالة الأجنبية في الخدمة المنزلية.
أهمية هذا النوع من الضرائب لا تقتصر على ضمانها تأمين إيرادات وافرة بـ "الفريش" دولار من الأشخاص المقتدرين مادياً، إنّما أيضاً على تخفيضها الاستهلاك واستقدام العمالة الأجنبية. وبالتالي إلى تراجع الطلب على الدولار، وتخفيف الضغط عن سعر الصرف.
الزيادات على الرواتب وارتفاع الاسعار
الزيادات على الضرائب والرسوم التي تقرّ لتمويل الزيادات على الراتب ستنعكس مزيداً من التضخّم وارتفاع سعر صرف الدولار، حتى لو دفعت من مصرف لبنان بالعملة الصّعبة. فبأحسن الظنّ، سيصرف الراتب بالدولار في السوق الموازية على سعر صرف أعلى، وبالتالي سينتج عنه كتلة بالليرة تعادل نسبتها 12 في المئة من مجمل الرواتب والأجور. "ستشكل ضغطاً إضافياً على الدولار"، بحسب شمس الدين. "هذا إذا افترضنا أنّ الزيادات ستدفع على سعر صيرفة 86 ألف ليرة، وليس على سعر تفضيلي أقلّ. كأن تحتسب صيرفة مثلا على سعر 60 ألف ليرة تحت الضغط".
كما سبق وقيل أنّ "كل الطرق تؤدي إلى روما"، فإنّ كلّ الإجراءات الترقيعية تؤدّي إلى تعميق الأزمة وليس حلّها. وهي تهدف إلى شراء الوقت بانتظار تطوّر ما من خارج السياق. لكن عدا عن أنّ مثل هذه الآمال تبدو بعيدة المنال، فهي لن تقدّم كثيراً في حال لم يبدأ الإصلاح من الداخل. ولنا في تجارب الكثير من الدّول المحيطة أمثلة حيّة على ذلك.