خالد أبو شقرا
تشخص الأنظار إلى جلسة مجلس الوزراء المُزمع عقدها يوم الثلاثاء المقبل. فبقدر ما ينتظر الموظفون والأجراء في القطاعين العام والخاص الزيادات التي ستُقرّ على الرواتب والأجور، بقدر ما يترقّب الاقتصاديون والرّأي العام مصادر تمويل هذه الزيادات، وانعكاساتها على الوضع العام. وقد ضُمّن جدول أعمال الجلسة، مشاريع قوانين ومراسيم وطلبات لزيادة إيرادات الدولة، للإيفاء بالتزاماتها بأقلّ أضرار ممكنة على معدّلات التضخم، المحلّقة صعوداً.
من بين الطلبات يبرز بشكل أساسي، "طلب وزارة الاشغال العامة والنقل الموافقة على مشروع مرسوم يرمي إلى تعديل أساس احتساب سعر المتر المربّع لتحديد الرّسم السنوي المترتّب على الإشغال المؤقت للأملاك العمومية البحرية. وغنيّ عن القول إنّ هذه الأملاك والاستملاكات، بشقّيها القانوني وغير القانوني، شكّلت على مدار السنوات الطوال مادة دسمة لانتقاد إهمال الدولة في تحصيل الأموال الكثيرة منها. وقد بُني على الارتباط الوثيق لهذه الاملأك بالسياسيين والمتنفذين المنتفعين على حساب المال العام، مئات المقالات والتقارير الاستقصائية. ومع هذا ظلّت عائدات الدولة منها لعام 2021 تعادل صفراً"، بحسب ما يبين الباحث عباس طفيلي.
الإشغالات القانونية
على الرغم من الفوضى المستحكمة في ملفّ الإشغالات العامة البحرية وغير البحرية، فإن المطروح على جلسة مجلس الوزراء كما يفهم من العنوان هو زيادة الرسوم على الإشغالات العامّة القانونية. أي الإشغال لقاء ترخيص بالاستعمال المؤقت مقابل رسوم سنوية محدّدة على أساس المتر المربع والمنطقة العقارية، كما يحدّدها المرسوم 4217 الصادر في العام 2018"، بحسب الباحثة د. جوديت التيني. وقد أتى هذا المرسوم ليعدّل المرسوم السابق الذي يعود للعام 1992.
المشروع المطروح اليوم يتناول تعديل الرسوم السّنوية، والتي ما زالت تتراوح بين 900 ألف ليرة مثلا للمشاريع القائمة على ساحل البترون، وتصل إلى 3.75 مليون ليرة للمتر المربع الواحد في المنطقة العقارية الواقعة في الشياح "فنادق أبيلا". وهو مطلب حقّ من وجهة التيني، "نظراً لفقدان العملة الوطنية أكثر من 98 في المئة من قيمتها، وبالنّظر إلى العائدات الكبيرة التي تحقّقها هذه المشاريع التجارية". ولنفترض أنّ الإشغال يطال ألف متر مربع، فإن مجمل الرسوم السنوية لا تتعدى 3.75 مليار ليرة أو ما يعني 37 ألف دولار أميركي في الوقت الحالي، على سعر صرف 100 ألف ليرة للدولار. في حين أنّ هذا الرقم كان يعادل 2.5 مليون دولار في العام 2018.
أيضاً في الشقّ القانوني المتعلق بالإشغالات، ينصّ القانون 144 على أنّ الإشغال يكون لمدة عام واحد فقط، ويجدّد تلقائياً برضى الطرفين الضمني، أي المشغّل والدّولة. وفي ظلّ سكوت الأخيرة معظم الأحيان عن حقّها، فان العقود تتجدد تلقائياً. و"هذا أيضاً من الأخطاء التي تفوّت على الخزينة الإيرادات"، بحسب التيني.
الإشغالات غير القانونية
مكّمن الخطر الأكبر يكمن في الإشغالات غير القانونية، غير المدرجة آنياً على جدول جلسة مجلس الوزراء، والتي تصل مساحتها بحسب الطفيلي إلى حدود 2،97 مليون متر مربع، تشكّل أكثر من 50 في المئة من مجمل مساحات الأملاك العامة المستثمرة. وهذا الإشغالات "تعني المخالفات والتعديات"، تقول التيني. "حيث يستفيد أصحابها من قوانين تمديد المهل التي تعود إلى موازنة 2019 لتسوية المخالفات. حيث تضمنت الموازنة نصّاً في المادة 22 أعطى لكل المخالفين مهلة ستة أشهر لتسوية مخالفاتهم. أي ليتقدموا بطلبات تراخيص جديدة. لكن مع الأسف النص لم يطبّق. وقد أعقب بقوانين تمديد للمهل. كان آخرها القانون الصادر في موازنة العام 2022".
الحلول
من الناحية القانونية تناول القانون 64/2017 (فرض رسوم وضرائب جديدة من أجل تمويل سلسلة الرتب والرواتب)، في المادة 11 منه، معالجة الإشغالات غير القانونية. إلا أنّ المجلس الدستوري أسقط هذا القانون، وبقيت المعالجات المنطقية والعملية عن هذا الملف غائبة. ولا يوجد اليوم أمام الدولة من الناحية القانونية إلّا مواقف ديوان المحاسبة من الاستشارات للإشغالات غير القانونية للأملاك العمومية البحرية، التي توجب هدم المخالفة على نفقة المخالف فوراً وتلقائياً، ومن دون الحاجة إلى أيّ معاملة أو أي قرار آخر، وحفظ حق الإدارة بالمطالبة بالتعويض.
أمّا من الناحية المنطقية، التي تتلاءم مع ظروف البلد الراهنة، يرى طفيلي أنّه "من الأفضل ألّا تلجأ الدولة إلى الهدم، على غرار ما حصل مع المخالفات على ضفاف نهر الليطاني، إنما إلى تنظيم عقد إيجار أو تشغيل قانوني مضافاً عليه ضريبة على الإشغال. وهو الأمر الذي يؤمّن عائدات مالية كبيرة للدولة في الوقت الذي هي فيه بأمسّ الحاجة إلى مصادر التمويل العقلانية. وللمثال فقط يتّضح مثلاً أنّ عائد المتر المربّع عن إشغالات شركة الغاز التي تمتدّ على مساحة 19 ألف متر مربع يبلغ 1300 ليرة. كذلك الأمر بالنّسبة إلى العوائد من إشغالات خزانات النفط التي بنيت على ساحل الدورة.. والأمثلة تطول عن إشغالات قانونية وغير قانونية لا تؤمّن أي عائدات فعلية بالنسبة للدولة. وعليه يقترح طفيلي وضع عقود إيجار، وضريبة على الإشغال تتغيّر سنوياً وتكون بالعملة الصعبة، وضريبة على الأرباح. الأمر الذي يؤمّن عائدات للدولة ويصوّب الضرائب لتصبح أكثر عدالة.