خالد أبو شقرا

لم تكن "الثالثة ثابتة" بالنسبة إلى مشروع تلزيم الخدمات والمنتجات البريدية اللبنانية. قطاع البريد الذي صُبغ على مدار أكثر من عَقدين من الزمن بلونَي "ليبان بوست" الأصفر والأزرق، حلّت عليه في زمن الانهيار لعنة "اللون الرمادي". فعلق في المنطقة الوسط بين انتهاء عقد "ليبان بوست" من جهة، وفشل المزايدات لتلزيمه من جديد على قواعد الوضوح والشفافية التي تؤمّن مصلحة الدولة اللبنانية، من الجهة الثانية. 

بعد تمديد العقد الموقّع مع شركة "ليبان بوست" ثماني مرات، أطلقت وزارة الاتصالات بتاريخ 27 تشرين الأول 2022 "مزايدة تلزيم الخدمات البريديّة"، وحدّدت الـ 24 من شهر كانون الثاني 2023، تاريخاً لفضّ العروض. فلم يتقدّم إلّا عارض واحد للاطّلاع على دفتر الشروط، هو شركة "ليبان بوست"، نفسها. فأجّلت المزايدة مدة شهر إفساحاً في المجال أمام تقدّم عروض أخرى. وبعد مضي شهر، وانتهاء مهلة تقديم العروض، لم يتقدم أي عارض رغم سحب أربع شركات دفتر الشروط. والشركات هي: "ميريت انفست"، "غانا بوست"، "ليبان بوست"، "إيكون اللبنانية". وعليه حدّد وزير الاتصالات جوني القرم جلسة ثالثة ونهائية بعد ستة أسابيع من منتصف شهر شباط الفائت. فتقدم عارض واحد هو ائتلاف Colis Privé France  و MERIT INVEST المنضويتان تحت المجموعة العالمية العملاقة CMA CGM التي يملكها رجل الأعمال اللبناني الفرنسي رودولف سعادة. بَيْدَ أنّ هيئة الشراء العام اعتبرت أنّ العرض المقدّم غير مطابق لدفتر شروط الصفقة وقد يساهم في الإضرار بالمال العام. فأوصت بعدم السير بالعرض. فعدنا إلى النقطة الصفر من أولٍ وجديد.

حصّة من الأرباح!

"رَفْضْ هيئة الشراء العام العرض المقدم من ائتلاف Colis Privé France و MERIT INVEST كان بسبب عدم تطابق دفتر الشروط على العارض"، يقول رئيس هيئة الشراء العام الدكتور جان العلية. "العارض لا يملك المؤهلات المطلوبة في دفتر الشروط. وقدّم عرضاً مالياً يلزم الدولة اللبنانية على مدى تسع سنوات بشروط غير عادلة وغير متوازنة".

نقطة الرفض المحورية كانت تقديم التحالف لعرضٍ مبني على نيل الدولة اللبنانية حصّة من الأرباح المحقّقة، لا حصّة من الإيرادات المُجمّعة، كما ينصّ بوضوح دفتر الشروط. وهو الأمر الذي قد يُخفّض عائدات الدولة في المستقبل بالنظر إلى الطريقة التي قد تحتسب فيها الشركة الأرباح. "وما حدا قدّيس"، على حد قول العلّية. فالتعاقد على أساس نسبي من أساس الربح (محدّد بالعرض بـ 15.5 في المئة) قد يفسح للمتعاقد تخفيض الأرباح على طريقة الدفترين. "من دون أن يعني ذلك التشكيك بنزاهة أحد، أو نكون نقصد بأي شكل من الأشكال، أنّ هذا العارض، سيتلاعب بنسب الأرباح"، يؤكد العلية. "إنما أصول علم الإدارة تفرض علينا عدم ترك مثل هذه المخاطر في العقود للنيّة الحسنة. وبالتالي يجب تحديدها بدقة، منعا لأي التباس في المستقبل لا يصبّ في خانة الصالح العام".

ما الحل؟

خلافاً لكل التوقعات بالتمديد لشركة "ليبان بوست" للمرّة التاسعة على التوالي للاستمرار في إدارة القطاع، أو استعادة وزارة الاتصالات للقطاع وتشغيله على غرار ما حصل مع شركتي الخليوي، يؤكّد العلية أن الخيارات البديلة من وجهة نظر هيئة الشراء العام حسب اختصاصها تتمثل بـ "إعادة إطلاق المزايدة"، على أن يتم إدخال بعض التعديلات الطفيفة على دفتر الشروط، تؤكد أن عملية التقاسم مع الملتزم تكون على أساس إجمالي الايرادات كقاعدة وليس إجمالي الربح. أمّا في ما يتعلق باصطدام هذا الاقتراح بحاجز 31 أيار القادم، تاريخ انتهاء العقد مع "ليبان بوست"، المشغّل الحالي لقطاع البريد، فاعتبر العلية أنّه لا يحق للمتعاقد مع الإدارة بشكل عام، ولشركة "ليبان بوست" بشكل خاص، عند نهاية العقد تسليم المفاتيح والمغادرة. أو كما يقال بالفرنسية " merci et au revoir ". فعقد ليبان بوست ينصّ على استمرارها في تأمين سير المرفق العام إلى أن يتمّ إيجاد متعاقد آخر.

التوازن بين إكراهين

في المهلة الفاصلة بين إطلاق المزايدة الجديدة واستمرار "ليبان بوست" في تشغيل القطاع، تحرص هيئة الشراء العام على عدم الوقوع في إكراه من اثنين:

  • الاول، الّا يتم تكريس المتعاقد الحالي بفعل الأمر الواقع، نتيجة عدم نجاح المزايدات.
  • الثاني، أن ندخل في عقد جديد لا يضمن حقوق الدولة المالية لمدة 9 سنوات.

موازنة كَفَتي ميزان تحقيق مصلحة الدولة تتطلب من وجهة نظر العلّية، إعادة إعلان التلزيم مجدداً ونشره عالمياً. وذلك من خلال طلب وزارة الاتصالات مثلاً من وزارة الخارجية، الإيعاز للبعثات الدبلوماسية في الخارج بنشر دفتر الشروط على مواقعها لإتاحة المجال للمشاركة على أوسع نطاق ممكن. خصوصاً أن النشر المنفرد على الموقع الألكتروني لهيئة الشراء العام لا يكفي.