تأكيد المؤكد هو ما أراده اقتراح قانون يحمل صفة العجلة، لتعديل قانون حماية احتياطي ذهب لبنان. النواب الذين أرادوا أن يحموا شيئاً محمياً بالفعل، ومصاناً بقانون حازم وجازم منذ نحو أربعين عاماً، أثاروا موجة عارمة من الانتقادات على مزايدتهم. فقد ظهروا كمن "يَنفُخ على اللبن" لتبريده وهو بارد. قّلة انتبهت إلى أن اللبنانيين "مكويّون" من "حليب" تضييع المنظومة "الاقتصا- سية" عشرات مليارات الدولارات من الأموال الخاصة والعامة من خلال الالتفاف على القوانين، أو استغلال بعض ثغراتها. وفي مقدمة هذه القوانين، قانون النقد والتسليف.
بمادة وحيدة، تقدم النواب ملحم خلف وميشال الدويهي وفراس حمدان ورامي فنج ووضّاح الصادق وإبراهيم منيمنة وبولا يعقوبيان والياس جرادة وسينتيا زرازير باقتراح قانون معجّل مكرر لتعديل المادة الوحيدة من القانون رقم 42/86 تاريخ 24 أيلول 1986. وتنص المادة الحالية من القانون المراد تعديلها، على أنه "بصورة استثنائية وخلافاً لأي نص، يمنع منعاً مطلقاً التصرف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان، أو لحسابه، مهما كانت طبيعة هذا التصرف وماهيته، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلا بنص تشريعي يصدر عن مجلس النواب".
الحاجة إلى تعديل القانون الحالي
النص الحالي لحماية الذهب لا يُقنع النائب ملحم خلف، وهو نقيب سابق للمحامين، لأنه "ليس متيناً بما يكفي لحماية الأصل المادي الأكثر قيمة وشبه الوحيد الذي ما زال يملكه لبنان". فضلاً عن أن النص موضوع في ثمانينات القرن الماضي، عندما كانت طرق التصرف بالموجودات تقتصر على بيعها، أو رهنها في أحسن الحالات، فيما استجدت اليوم وسائل وطرق للاستثمار لا تخطر على بال أو خاطر، يمكن للسلطة اعتمادها للتصرف بجزء، أو بكل ما يحتفظ به لبنان من ذهب، ولاسيما مع ارتفاع قيمة ما يملكه لبنان من المعدن الأصفر بحجم 286 طناً، إلى أكثر من 30 مليار دولار، بحسب أسعار اليوم. ولعلّ أكثر ما يخشاه خلف، وكان سببا لتقدمه مع نواب آخرين باقتراح التعديل هو "صدور كلام بالسر والعلن عن إمكانية استعمال الذهب ضمن أدوات مصرفية، بما يمكّن من تغذية خزينة الدولة بالكثير من الإيرادات".
انعدام الثقة
الحرص على منع التصرف بالذهب بأي شكل من الأشكال لا ينبع من حُرم عقائدي، بقدر ما هو نابع من انعدام الثقة بالسلطة باستخدام الذهب بما يحقق الصالح العام ومصلحة المواطنين. فقد "هدر المسؤولون أكثر من 20 مليار دولار من الموجودات النقدية في السنوات الماضية على الدعم بكافة أشكاله"، يقول خلف، "فهل نعود ونغذّي الهدر واللا تخطيط بالمزيد من الأموال لإضاعتها؟! فنفقدَ بذلك الأصل المادي، الذي ما زال يجذب القليل من الثقة بالدولة والنظام"؟
النواقص في القانون الحالي
في تبرير اقتراح القانون أنّ التصرف باحتياطي الذهب بأي عملية محسابية "سيؤدي حتماً الى انهيار اقتصادي شامل، لا سيما بغياب أي خطة اقتصادية ومالية واجتماعية متكاملة". وفي التبرير أن القانون النافذ لم يتطرق إلى نقاط بالغة الاهمية منها:
- العمليات المادية أو المالية الأخرى التي يمكن أن تطال هذه الموجودات غير البيع والتصرف، مثل المبادلة (Swap) والرهن ومنح حق الخيار (Option) وغيرها.
- لا يمنع نقل الذهب من مكان أو بلد إلى آخر.
- لا يتضمن أي عقوبة لمن يخالف أحكامه، ومن الضروري لحظ عقوبة إذ لا عقوبة دون نص.
التعديلات المقترحة
يطلب الاقتراح تعديل المادة الوحيدة التي ينص عليها القانون 42، بإضافة "استثنائيا وخلافاً لأي نص آخر يمنع منعاً باتاً لأي كان التصرف أو استعمال الموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه، أكانت مودعة في لبنان أو في الخارج، عن طريق البيع أو التحويل أو النقل أو الاستعمال، أو تعديل حجمها أو شكلها أو مكان تواجدها أو وجهتها، أو أي عملية مادية أو مالية أخرى، تتناول ملكيتها أو ادارتها أو استثمارها." يضيف النص المقترح: "يمنَع إرهاق الموجودات الذهبية بأية أعباء قانونية أو تعاقدية أو قضائية، أكان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلا بنص تشريعي صريح يصدر عن مجلس النواب ويلغي أو يعدّل هذا القانون. ويعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبالغرامة من ٥٠٠ مليون ليرة لبنانية إلى ملياري ليرة لبنانية، مع إسقاط جميع الحصانات القانونية المعمول بها مهما كانت كانت هيكليتها ومصادرها."
انتزاع صفة العجلة عن القانون
على غرار الكثير من القوانين الأخرى، أُسقطت صفة العجلة عن هذا القانون "الأكثر أهمية"، برأي خلف في جلسة 15 أيار التشريعية، وأحيل إلى اللجان للنقاش. وحتى لا تكون "اللجان مقبرة المشاريع" كما يقال، اقترح النائب جورج عدوان إعطاء اللجان مهلة شهرين لدرس القوانين المحالة إليها قبل رفعها للهيئة العامة.
إصرار النواب على تعديل القانون 42/86 ليس ترفاً تشريعياً، إنما انعدام ثقة مبرَّر وحرص زائد على المعدن الثمين. فمن "شرب بحر" مليارات الدولارات العائدة للمودعين وانتهك قانون النقد والتسليف، لن يغص باحتياطي الذهب والقانون 42.