ريتا ماريا سعد

أسبوع الآلام، يوم الجمعة الحزينة، وأحَد الفُصح، كلمات تتردد كل عام عندما يقترب حلول عيد الفصح المجيد. وللعيد أسماء كثيرة أشهرُها الفصح والعيد الكبير وعيد القيامة وعيد النصر.

في الديانة المسيحية تعني كلمة "فُصُح" عبور وانتقال السيّد المسيح من الموت إلى الحياة، أي القيامة. والقيامة هي أساس العقيدة لدى المسيحيين، لهذا يعدّ الفصح أكثر الأعياد تمجيداً عند المسيحيين لأنّه يأتي احتفاءً بقيامة المسيح من الموت.

تبدأ الطقوس يوم الخميس الذي يسبق يوم الفصح، ويُسمّى بـ "خميس الأسرار" أو خميس "غسل الأرجل"، والذي فيه غَسَل السيّد المسيح أرجُل تلاميذه ومسحَها بالمنشفة التي كان متزراً بها من أجل غسل خطاياهم وجعلهم أنقياء، الأمر الذي يرمز إلى التواضع. في هذا اليوم أيضاً تحلّ ذكرى الوجبة الأخيرة أو العشاء الأخير، الذي جمع السيّد يسوع المسيح بتلاميذه قبل صلبه. واتخذ من هذا العشاء مادة للوحات فنية عالمية أشهرها تلك التي حملت توقيع ليوناردو دافنشي، وهي منتشرة في الكثير من الكنائس والأديرة والمتاحف والمنازل حول العالم.

يشير يوم الجمعة العظيمة الذي يلي خميس الأسرار إلى صلب السيد المسيح وذكرى آلامِه. الجمعة العظيمة هي ما جمع بيد الرَبّ في هذا اليوم من إيمان وتضحية وبذل الذات من أجل الآخرين.  لذلك تقام مسيرة طريق الآلام، حيث يتم حمل صليب كبير والسير به في تقليد لمسيرة آلام المسيح، ويسير خلفه حشد كبير من المشاركين الحاملين الشموع المضاءة والمرتلين للصلوات.

أما يوم السبت الذي يلي يوم الجمعة العظيمة هو سبت النور، في هذا السبت، في ساعات المساء المتأخرة، تبدأ احتفالات الفصح بانتصار السيد المسيح على الموت. ويستمر العيد 3 أيام.

عادات الاحتفال

ترافق هذه الاحتفالات الدينية، تقاليد قديمة وأخرى جديدة، تضفي على هذه المناسبة المسيحية الأكثر رمزية، بهجة واحتفالاً بعد استذكار عذاب وتضحية السيد المسيح.

وفي ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يرزح تحتها المواطن اللبناني، هل لا زالت الأحوال تسمح بأن تتمكن العائلات اللبنانية من الاحتفال بهذا العيد كما في الماضي؟

فلهذا العيد المجيد طقوسه المكلفة في حالتنا الاقتصادية الراهنة، ومن العادات التي ترافق الأعياد، مسألة الضيافة، فقد اختار الناس لكل عيد ضيافته. بوش (Buche) للميلاد، والزلابية للغطاس، والقمح للبرباره، والمعمول والكعك لعيد الفصح. فالضيافة نابعة من ممارسات مجتمعية تقليدية ولها مفهوم منسجم مع العيد.

ومن المعروف أن كعك العيد على شكل التاج، يرمزإلى تاج الشوك الذي وضع على رأس السيد المسيح. أما المعمول فيرمز إلى الإسفنجة التي بللوا بواسطتها فَمَ السيد المسيح ببعض قطراتمن الماء وهو على الصليب، وهناك من يقول بأن المعمول يرمز إلى الصخرة التي وضع عليها الصليب.

المعمول أصبح مكلفاً جداً

يفضّل البعض صناعة معمول العيد في المنزل، وتعتبرعادة من عادات العيد التي تجمع العائلة  خلال مراحل الإعداد والتحضير والإنتاج.

سعر مكونات المعمول بحسب المقادير: سميد وطحين فرخة وزبدة وحشوة (فستق وتمر وجوز) لأربعة كيلوغرام من العجين، بكلفة تصل إلى ما يقارب 15 مليون ليرة. وهذا المبلغ هو كلفة تحضير المعمول فقط دون خبزه الذي يتطلب استهلاكاً في الغاز.

ماذا عن سعر المعمول الجاهز؟

كيلوغرام واحد من معمول التمر يترواح سعره بين 1.300.000 و 1.800.000 ليرة

كيلوغرام واحد من معمول الجوز يتراوح سعره بين 1.400.000 و 1.700.000 ليرة

كيلوغرام واحد من معمول الفستق يترواح سعره بين 1.700.000 و 2.800.000 ليرة

بيض العيد

لا تكتمل فرحة عيد الفصح لاسيما بالنسبة للأطفال من دون البيض المسلوق وتلوينه وتزيينه بطرق فريدة للتعبير عن الفرح، وهو نشاط يشارك فيه جميع الأفراد الأسرة من مختلف الأعمار، كما يخوضون مباراة "تفقيس البيض" الذي يوضع في سلّة، وكل شخص يختار بيضة ويتنافسون.

يرمز البيض إلى تجديد الحياة، إلّا أنّ الديانة المسيحية أضافت إليه معنىً جديداً واتخذت منه ركناً أساسياً في عيد الفصح، وبات يرمز إلى ولادة البشرية من جديد، وتدل القشرة القاسية إلى حجر قبر السيد المسيح الذي خرج منه النور يوم قيامة يسوع من الموت في اليوم الثالث. من هنا انطلقت عادة "تفقيس البيض"التي ترمز إلى التجدد في حياة السيد المسيح (قيامة المسيح من القبر)

فماذا عن سعر كرتونة البيض؟

سعر الكرتونة التي تحتوي 15 بيضة يترواح بين 200.000 و300.000 ليرة.

ومن العادات الجديدة التي طرأت على العيد، تزيين شجرة الفصح، التي تتكون من أغصان أشجار يابسة تزيّن ببيض ملوّن من البلاستيك أو الفلين وبالالعاب على شكل أرانب تحمل شوكولا مغلّف بألوان على شكل بيض.

فماذا عن سعر كيلو شوكولا هذا العيد المجيد؟ للأسف فهو يتخطى الحدّ الأدنى للأجور.

فأين نحن اليوم من هذه العادات؟ يخشى كثيرون أن تنغّص الضائقة المالية هذا العام فرح الأعياد، ويحاول المسيحيون في لبنان ممن ضاقت بهم سبل العيش الاستمرار في ممارسة الحدّ الأدنى من الطقوس الاحتفالية لرمزيتها.

ومهما تنوعت وتجدّدت العادات والتقاليد، يبقى الأهم أن نعيش هذا العيد برموزه التي تتجلى بالتواضع والمحبة والعطاء.

وفيما يتبادر إلى الأذهان القول المأثور: "عيد بأية حال عدت يا عيد؟"

 يقول المؤمنون أن اللبناني لا عيد له ولا رجاء… إلا برجاء القيامة. فليكن هذا الزمن زمن قيامة حقيقية لشعب لا يستحق إلا الفرح، ولبلد لا يستأهل إلا الحياة.