أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 2 نيسان/أبريل بوصفه اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد. القرار الذي اتخذ بالإجماع بتاريخ 18 كانون الأول من العام 2007، حظي بمباركة مؤسساتية وشعبية في مختلف أنحاء العالم، وتحوّل إلى مناسبة تشهد أنشطة وحملات توعية حول هذا المرض الذي يصيب ملايين الأطفال، ولحشد الدعم للبحث عن طرق جديدة لتحسين الاندماج.

يعرف مرض التوحد باسم اضطراب طيف التوحد ASD(Autism Spectrum Disorder)، وهو اضطراب بالنمو يؤثر في التواصل والتفاعل الاجتماعي والسلوك. وعلى الرغم من أنّه يمكن تشخيص التوحد في أي عمر، فإنه يوصف بـ "اضطراب نمو"، لأن الأعراض تظهر عادة في أول عامين من عمر المصاب. وهناك تباين واسع في نوع وشدة الأعراض التي يعانيها المريض. كما يتضمن الاضطراب أنماطاً محدّدة ومتكرّرة من السلوك.

وتم اكتشاف مرض التوحد في العام 1938على يد الطبيب النفسي الأميركي ليو كانر النمساوي الأصل، الذي كان يجري دراسة على مجموعة من الأطفال من خلال درس طبيعة سلوكهم، حيث لاحظ أنهم يتميزون بالانغلاق على ذاتهم، ويميلون إلى العزلة والبعد عن التواصل الاجتماعي، ورغبتهم في تكرار أنماط سلوكية معينة.

ما هي أعراض الاصابة باضطراب طيف التوحد؟

الاختصاصية في علم النفس والمعالجة النفسية السيّدة روزالين طنوس التي التقتها الـ"الصفا نيوز" تقول: "يمكن رصد بعض علامات اضطراب طيف التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة، من خلال ضعف التواصل البصري أو عدم الاستجابة لمناداة المصابين بالاسم أو عدم الاكتراث لأهلهم. بينما ينمو أطفال آخرون بشكل طبيعي خلال الأشهر أو السنوات الأولى من عمرهم لكنهم يصبحون فجأة عدوانيين أو يفقدون المهارات اللغوية التي قد اكتسبوها، وعادة تظهر العلامات عند عمر السنتين".

وتضيف طنوس "الأطفال الذين يعانون اضطراب طيف التوحد يواجهون صعوبة في التعلّم، وبعضهم لديه علامات أقل من الذكاء المعتاد. بينما يتراوح معدل ذكاء أطفال آخرين يعانون هذا الاضطراب من طبيعي إلى مرتفع ، إلا أنّ مشكلة في التواصل الاجتماعي تبقى لديهم".

من أهم العلامات الشائعة التي تظهر على طفل أو شخص بالغ يعاني من اضطراب طيف التوحد في التواصل والتفاعل الاجتماعي هي:

  • عدم استجابة الطفل عند مناداته باسمه، أو يبدو كأنه لا يسمع.
  • اللعب بمفرده أو انسحابه إلى عالمه الخاص.
  • غياب تعبيرات الوجه وقلّة التواصل البصري.
  • عدم الكلام أو التأخّر في الكلام، أو عدم القدرة على اللفظ بالكلمات والجمل.
  • التكلم بنبرة غير طبيعية وتكرار الكلمات.
  • عدم فهم التوجيهات أو الأسئلة البسيطة.
  • عدم التعبير عن عواطفه أو مشاعره وعدم ادراكه لمشاعر الآخرين.
  • عدم التفاعل اجتماعيًا وأحياناً إظهار العدائية.
  • القيام بحركات غريبة وغير متوازنة، وإظهار لغة جسد خاصة.
  • القيام بأنشطة يمكن أن تسبب الأذى.
  • الإحساس بشكل غير عادي تجاه الضوء والصوت واللمس.
  • عدم المبالاة بالألم أو بالحرارة.

كيف يتم التشخيص؟

تنصح طنّوس بزيارة الطبيب في حالة الشعور بقلق حول نمو الطفل (تأخر واضح في مهارات اللغة والتفاعلات الاجتماعية)، أو الاشتباه في إمكانية إصابته باضطراب طيف التوحّد، من هنا يوصي الطبيب بإجراء اختبارات النمو لتحديد ما إذا كان الطفل يعاني تأخراً في المهارات الإدراكية أوالاجتماعية أومهارات اللغة، إذا لاحظ أي من أعراض اضطراب طيف التوحّد يتم إحالته فوراً إلى أخصائي أو طبيب نفسي لمعالجة أطفال اضطراب طيف التوحّد.

وفي سياق متصل أكدت طنوس أنه لا يوجد اختبار طبي معين لتحديد الإصابة بهذا الاضطراب، وقد يكون من الصعب الوصول إلى تشخيص نظرًا للتنوع في أعراض اضطراب طيف التوحّد وشدّته.

 قد يقوم الأخصائي بما يلي:

  • مراقبة تفاعلات وتطورات الطفل الاجتماعية ومهاراته التواصلية وسلوكه.
  • إجراء اختبارات السمع والتخاطب واللغة والأمور الاجتماعية والسلوكية.
  • إجراء اختبار جيني للتعرّف على ما إذا كان مصاباً باضطراب جيني

ما هوعلاج مرض التوحّد؟ وما هي طرق التعامل مع الطفل المتوحّد؟

تقول طنوس أنه لا يوجد علاج لاضطراب طيف التوحد، إلّا أن التشخيص المبكر مفيد جداً وقد يؤدي إلى إحداث فارق في حياة العديد من الأطفال. إنّ الهدف من التشخيص هو زيادة قدرة الطفل على أداء الأعمال من خلال الحدّ من الأعراض ودعم النمو وتعلّم المهارات الاجتماعية والوظيفية والسلوكية.

وتشير طنوس إلى مجموعة من الطرق المتبعة والتدخلات المنزلية والمدرسية التي يمكن أن تساعد المصابين باضطراب طيف التوحد ومنها:

  • برامج تُرَكّز على تعليم الأطفال كيفية التصرف في المواقف الاجتماعية أو التواصل بشكل أفضل مع الآخرين. كذلك يمكن أن يساعد تحليل السلوك التطبيقي (ABA) الأطفال على تعلّم مهارات جديدة، وتعميم هذه المهارات في حالات متعدّدة من خلال نظام التحفيز القائم على المكافآت.
  • برامج تربوية تتضمن فريقاً من الاخصائيين، ومجموعة متنوعة من الأنشطة لتحسين المهارات الاجتماعية ومهارات الاتصال والسلوك.
  • يمكن أن يتعلّم الأهل كيفية اللعب والتفاعل مع أطفالهم المرضى بطرق تحفز المهارات الاجتماعية وتعالج المشكلات السلوكية وتعلّمهم مهارات الحياة اليومية والتواصل.
  • علاج النطق لتحسين مهارات التواصل والعلاج المهني لتعليم أنشطة الحياة اليومية والعلاج الطبيعي لتحسين الحركة والتوازن.

أين أصبحنا اليوم في لبنان في مسار دمج المتوحّد في المجتمع؟

تقول طنوس،"لبنان لا يزال بعيداً عن مسار التقدّم في هذا المجال، وذلك رغم المساعي والمبادرات الفردية من أهالي الأطفال المصابين، وقد تمّ تأسيس بعض الجمعيات التي تعنى بهؤلاء الاطفال من قبل ذويهم".

وتضيف، "الدولة غائبة عن أي دعم أو مساعدة في ذلك، مع العلم أن كلفة العلاج والمتابعة باهظة، إذ أن الطفل المتوحّد بحاجة دائمة لأخصائية ترافقه بغية دمجه في المجتمع، ناهيك عن التكاليف المدرسية والصفوف الخاصة والتجهيزات".

تحاول الجمعيات جاهدة المساعدة في دعم الاطفال المصابين، ولكن لا يمكنها استيعاب وتغطية تكلفة مساعدة الجميع، لعدم توافر التمويل المالي لديها.

وتشدد طنوس على أهمية دعم المجتمع للمصابين باضطراب طيف التوحد وتقبّلهم، مما يسرّع في عملية دمجهم مع محيطهم، خصوصاً في الدراسة والعمل. بالإضافة إلى ذلك يجب وضع قوانين  تسمح بدمجهم وإدخالهم إلى الأكاديميات والمهن. أخيرا تنبه طنوس إلى أنّ المجتمع اللبناني  يخاف من الاختلاف، ويزداد الرفض للمصابين بالتوحد في المجتمعات التي تفتقر إلى الوعي حول هذا النوع من الاضطرابات.