خالد أبو شقرا

شكّل استفحال الخلاف على قرار استمرار العمل بالتوقيت الشتوي لغاية نهاية شهر رمضان، مخرجاً مؤقتاً للحكومة لإفلات "كرة" الزيادات على رواتب موظفي القطاع العام "الحارقة". فجلسة إقرار الزيادات الحكومية، استبدلت بجلسة مخصصة للعودة عن قرار تأجيل تقديم الساعة. من دون استبعاد أن تتحول الاستراحة الحكومية إلى دائمة، بالقراءة بين سطور البيان الذي أدلى به رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.

يقدّر الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين حجم الزيادة التي كانت تعتزم الحكومة إقرارها بـ "حوالي 70 ألف مليار ليرة، وذلك بالاستناد إلى المسوّدَة المسرّبة من اللجنة المكلفة دراسة الزيادات نهاية الأسبوع الماضي. وهي تأتي كمساعدة اجتماعية من خارج موازنة 2022، التي سبق ومنحت موظفي القطاع العام زيادة على الراتب تساوي ضعفي الراتب الأساسي الشهري، بكلفة ناهزت 3300 مليار ليرة شهرياً. المفارقة أن مجمل إيرادات موازنة 2022 المستمر العمل بها لغاية اليوم، على أساس القاعدة الاثني عشرية، تبلغ 29986 مليار ليرة. ما يعني أن الزيادة المنوي إعطاؤها تزيد بـ 2.3 مرّة عن مجمل الإيرادات المتوقعة. فمن أين ستؤمن الأموال لدفع الزيادات، وبأي كلفة؟

التمويل بالطباعة

الخيارات المتاحة أمام الحكومة باتت محصورة باللجوء إلى مصرف لبنان لتمويل الزيادات من خلال طباعة النقود. و"التدفقات النقدية في ميزانية المركزي تظهر إمكانية طباعة ما يقارب 420 ألف مليار ليرة إضافية"، يقول مدير المحاسبة السابق في وزارة المالية، ورئيس الهيئة الأهلية لمكافحة الفساد، أمين صالح. "وقد فتح المركزي المجال أمام طباعة كميات هائلة من النقد الوطني من خلال تخفيض سعر الصرف من 1500 ليرة إلى 15 ألفاً، وتقييم ميزانيته على هذا الأساس".

الايرادات كافية، ولكن!

"الاتجاه إلى إقرار المزيد من النفقات بالاعتماد على الاقتراض من مصرف لبنان، يتناقض مع المطالب الواضحة والصريحة التي سمعها المسؤولون في السلطتين التنفيذية والنقدية قبل أيام من بعثة صندوق النقد الدولي"، بحسب عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وممثل الجامعة اللبنانية في لجنة المؤشر الدكتور أنيس بودياب. وعليه فإنّ الاستمرار بطباعة الليرات لتغطية العجز يخالف الشروط والأحكام المتفق عليها مع "الصندوق" ويعرّض الاتفاق إلى البطلان. في المقابل يعتبر بودياب أن "رفع الدولار الجمركي إلى 45 ألف ليرة، وزيادة عوائد الضريبة على القيمة المضافة نتيجة ارتفاع الاستهلاك واحتسابها على سعر السوق، من شأنهما رفد الخزينة بمبالغ كافية لتمويل الزيادات على الرواتب بمقدار ستة أضعاف من دون الحاجة إلى الطباعة". والمطلوب برأيه "الإفصاح بشفافية كاملة عن حجم الإيرادات ومصادرها وكيفية توزّعها". وملاحقة كل أشكال التهرّب الضريبي والتهريب الجمركي وتقليص الاقتصاد الأسود، الآخذ في التوسع والانتشار، والذي أصبح يقدّر بأكثر من 60 في المئة من حجم الاقتصاد. و"يمكن اختصار المطلوب بما عبّر عنه وفد بعثة صندوق النقد الدولي بثلاث كلمات: الحوكمة، المساءلة والمحاسبة"، يضيف بودياب. "وكأن كل ما يعمل به من طباعة للنقود بالتوازي مع التعتيم على بقية المعطيات والمؤشرات المالية، يهدف إلى تغطية الخسائر الكبيرة في مصرف لبنان والقطاع المصرفي من خلال حجة الطباعة وتصريف الليرات إلى دولار".

استعمال الـ SDR

خيارات الحكومة المتاحة "لإسكات"، الموظفين وإبعادهم "عن الشارع"، دونها عقبات شائكة. "فتمويل الزيادة من الطباعة ستنعكس تضخماً هائلاً في الأسعار، ومزيداً من الانهيار في سعر الصرف"، برأي صالح. والتمويل من الجباية مستعصي نتيجة إضراب القطاع العام من جهة، وتفشي الفساد وغياب الرقابة من الجهة الأخرى. وعلى هذا المنوال لا يبقى من خيار أمام الحكومة إلّا مد اليد على ما تبقى من حقوق السحب الخاصة "SDR"، التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي في أيلول 2021. فهذا الاجراء يقي الاقتصاد من شر التضخم، ولا يرتب أعباء إضافية على الخزينة العامة، وكل ما يتطلبه موافقة وزير المالية.

 بحسب الأرقام المتوافرة التي جمعتها الدولية للمعلومات، يتبين أن المبلغ المتبقي من حقوق السحب الخاصة لغاية كانون الأول 2022 يبلغ 764 مليون دولار من أصل 1.136 ملياراً. أما لجهة المعلومات المتداولة فإن المتبقي ينخفض إلى 589 ملياراً. وفي الحالتين لا يكفي المبلغ لتمويل الزيادة لأكثر من عام. ويكون لبنان استنفد الأموال على الاستهلاك ولم يوظّفها بنشاط استثماري أو انتاجي يعود على الاقتصاد بقيمة مضافة.