خالد أبو شقرا
بعد طول انتظار، وبالتزامن مع تحقيقات النيابة العامة الاستئنافية مع حاكم مصرف لبنان بمشاركة أوروبية، تقدمت الدولة اللبنانية، ممثّلة بهيئة القضايا في وزارة العدل، بالادعاء على الحاكم رياض سلامة، وشقيقه رجا، ومساعدته ماريان الحويك، وكل من يظهره التحقيق شريكاً، بجرائم تتعلق بالفساد. التطور القضائي الذي جرت عرقلته منذ بداية العام 2022، يطرح سؤالين رئيسيين: هل أن الإجراء شكلي، يهدف إلى حفظ ماء وجه الدولة فقط، لعلمها بإمكانية حفظ الملف وعدم تفعيله؟ أو أن الغطاء رُفِع عن الحاكم، بعد التيقّن من جدّية مسار التحقيقات الأوروبية وإمكانية توجيه اتهامات خطيرة للحاكم؟
التوقع بعدم حضور الحاكم رياض سلامة جلسة الاستجواب الأولى التي حددتها النيابة العامة الاستئنافية بتاريخ 15 آذار، عوضت عنه هيئة القضايا بالادعاء على الحاكم وشركائه بجرائم الرشوة والتزوير واستعمال المزوّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي. وقد طلبت الهيئة توقيف المدّعى عليهم وحجز أملاكهم العقارية وتجميد حساباتهم المصرفية وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين، لمنعهم من التصرّف بها حفاظاً على حقوق الدولة اللبنانية، وإصدار القرار الظني في حقهم، تمهيداً لمحاكمتهم أمام محكمة الجنايات في بيروت لإنزال أشد العقوبات في حقهم لخطورة الجرائم المدّعى بها في حقهم. واحتفظت الهيئة بحق تحديد التعويضات الشخصية أمام محكمة الأساس. كما طلبت الهيئة بإحالة نسخة من الدعوى على هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان بواسطة النيابة العامة التمييزية لتجميد حسابات المدّعى عليهم وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين لدى المصارف اللبنانية والأجنبية. وإصدار القرار بوضع إشارة هذه الدعوى على عقارات المدّعى عليهم لمنعهم من التصرّف بها".
"الهيئة" محامي الدولة
العبارات التقنية الكبيرة المستعلمة في هذه القضية، لا تشذّ من حيث الشكل عن الطريقة التي تصاغ بها الدعاوى عند وجود ادعاء لمصلحة الدولة. "فهيئة القضايا، وإن كانت مرؤوسة من قاضية، إلّا أنها لا تعمل كقضاء، إنما كمحام يدّعي لمصلحة الدّولة في وجه القضاء المختص"، تقول المحامية د. جوديت التيني. "وينقسم عملها إلى شقين: الأول، تقديم الادّعاء داخلياً ضد الافراد والمؤسسات التي تنتهك حقوق الدولة، وفي حالتنا هذه رياض سلامة ورفاقه. والثاني، تمثيل الدولة خارجياً، والدفاع عن حقوقها في الدول التي يدّعى فيها على الحاكم، وذلك من أجل حفظ حقها والتمكّن من استعادة الأموال المشكوك بأمرها في حال توجيه اتهام للحاكم يؤكّد الجرائم المرتكَبة"
العجز عن الادعاء في الخارج
ما تحقق لغاية اليوم هو الادّعاء في الداخل بأقصى المستطاع، أما الشقّ الخارجي، وهو الأهم، كونه يتيح استرجاع ما لا يقل عن نصف مليار دولار في حال تثبيت الاتهام، وهذا ما زال متعذراً، وذلك لكون هيئة القضايا لا يحقّ لها أن تتحرك تلقائياً من دون إذن أو إشارة من الوزير المختص، وفي هذه الحالة، وزير المالية. وهذا ما أكدته هيئة التشريع والاستشارات في استشارتها رقم 840/2020 تاريخ 8/10/2020. وكانت رئيسة هيئة القضايا القاضية هيلانة إسكندر قد سبق وأكّدت مؤخراً أنّها تقدّمت من وزير المالية بتاريخ 17/1/2022 بطلب بيان رأيه بشأن الادّعاء على حاكم مصرف لبنان ورفاقه في الخارج بجرائم تبييض الأموال والتهرّب الضريبي من أجل استعادة الأموال المصادرة، وتكليف محامٍ لمعاونتها يستطيع المثول أمام محاكم هذه الدول. ولمّا لم يجب الوزير على كتابها، وجّهت له كتاباً ثانياً بنفس المضمون بتاريخ 20/2/2022 من دون أن تلقى جواباً. عندها، وإصراراً منها على متابعة الموضوع والحفاظ على حقوق الدولة، وجّهت كتاباً إلى معالي وزير العدل طالبةً منه عرض الموضوع على مجلس الوزراء، ولكن الأمانة العامة لمجلس الوزراء أعادت الأوراق إلى وزارة العدل بتاريخ 2/6/2022 طالبةً استطلاع رأي وزارة المالية، ولم تتبلغ حتى اليوم على ما يبدو الجواب.
نقاط الضعف
يضاف إلى العجز عن الادعاء في الخارج في ملف الحاكم وشركاه، نقطة ضعف أخرى تتمثل في الطّلب من هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، التي يرأسها الحاكم، اتخاذ أقصى العقوبات بحق نفسه. الأمر الذي يخالف المنطق. وهذا الخلل يعود إلى عدم تعديل النواب المادة ٦ من قانون مكافحة تبييض الأموال التي تنص في مادتها الثانية على أن الحاكم هو من يرأس هيئة التحقيق الخاصة أو من ينتدبه من نوابه في حال تعذّر حضوره.
عقبات استرداد الأموال
أمام هذا الواقع، "من المرجح أن تمثل نقابة المحامين في بيروت، المتضررين من الجرائم التي يحقق فيها في الخارج في قضية سلامة. وذلك عبر توكيها محامين من فرنسا للدفاع وطلب حجز ومصادرة واسترداد الأموال"، بحسب التيني. وسواء توكلت نقابة المحامين في الخارج، أو سمح لهيئة القضايا بمتابعة الملف، فأن الأرضية اللبنانية لاستعادة الأموال المنهوبة أو المشكوك بنظافتها لا تزال غير جاهزة. فالصندوق السيادي الذي ستوضع به الأموال المستردة والمنشأ بالقانون رقم 2014/2021 لا زال ينقصه صدور المراسيم التطبيقية من السلطة التنفيذية.
بالإضافة إلى أهميتها الكبيرة على الصعيد الوطني فقد أظهرت قضية سلامة العديد من نقاط الضعف في النظام اللبناني التي تحتاج إلى تعديل سريع، ومنها:
- فصل هيئة التحقيق الخاصة عن سلطة الحاكم.
- إعادة تفعيل اقتراح رئيسة هيئة القضايا المتعلق بتعديل قانون الهيئة، لتتمكن من اتخاذ الإجراءات القانونية من دون إذن من السلطة الإجرائية. هذا الاقتراح لا يزال في أدراج لجنة الإدارة والعدل حتى الآن.
- إصدار المراسيم التطبيقية للصندوق السيادي ووضعها موضع التنفيذ.
يذكر أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مثل اليوم أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا بحضور الوفد القضائي الأوروبي، الذي يضمّ القاضية الفرنسية أود بوريزي. وقد فهم أن الحاكم سيعود إلى مكتبه عصرا للمشاركة باجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان وسط تجاوز سعر صرف الدولار عتبة 106 آلاف ليرة لبنانية.