خالد أبو شقرا

يخوض مزارعو جنوب لبنان غِمار حقول الدخان حاملين "أرواحهم على أكفّهم". فالزراعة التي أعطت للنضال النقابي بُعداً جديداً منذ أربعينيات القرن الماضي، وشكلت مورد رزق لعشرات آلاف العائلات، أصبحت أشبه بساحة نزال. موسم بعد آخر يدخل المزارعون حيازتهم الموروثة أباً عن جد، أو المستأجرة، جاهلين إن كانوا سيخرجون منها سالمين بعوائد تعوّض أكلاف الإنتاج، أو خاسرين لما تبقى من مقوّمات الصمود.

منذ أن حطّت الأزمة أوزارها في العام 2019، لم تعد زراعة الدخان "تجيب همّها" يقول المزارع مصطفى عمار. فالرخصة التي تعطى من قبل إدارة حصر التبغ والتنباك "الريجي"، تُتيح لكل مزارع زراعة لغاية 4 دونم (4000 متر مربع)، بسقف استلام حدّه الأقصى 100 كيلو عن الدونم الواحد. وهو الأمر الذي يحرم المزارعين أولاً من زيادة الإنتاج لتحقيق ما يعرف بـ "وفورات الحجم". وبالتالي زيادة المداخيل المتأتية من الزراعة. خصوصاً أن الإنتاج في الدونم الواحد يمكن أن يصل إلى ما بين 200 و250 كيلو دخان سنوياً نتيجة الري والتسميد الطبيعي والعضوي"، يؤكد عمّار. فتشتري الريجي لغاية المئة كيلو عن الدونم الواحد، ويُترك المزارع فريسة السوق الموازية لتصريف باقي الإنتاج بأسعار أقل بكثير من سعر الكلفة، وحتى من السعر الذي تدفعه "الريجي" على الكيلو الواحد.

المشاكل لا تنتهي

[caption id="attachment_6066" align="aligncenter" width="1280"] الدخان موضب في بالات[/caption]

بالإضافة إلى وضع سقف للشراء بسعر ظل حتى الأمس القريب معقولاً، يواجه مزارعو الدخان مشكلة حسم الريجي ثمن ما لا يقل عن 4 كيلو بكل مئة كيلو تتسلمها. فالإنتاج يوضّب بـ "بالات" بزنة تتراوح بين 25 و27 كيلو للبالة الواحدة، ملفوفة بـ "الخيش". فتحسُم الريجي كيلو عن كل مئة كيلو، وزن أكياس الخيش. ومن ثم يَحسُم الخبير المراقب كيلو آخر أو حتى أكثر تعتبر عديمة النفع. وفي حال تأخر الريجي باستلام المحصول، تنقص "البالات" وزناً إضافياً نتيجة الجفاف. وإذا افترضنا أن الحد الأقصى للمزارع هو تسليم 400 كيلو، فان نسبة الاقتطاع تصل إلى 16 كيلو، تمثل حوالي 4 في المئة من مجمل الربح.

المشكلة الثانية التي لا تقل أهمية تتمثل في تراجع سعر الشراء. ففي الوقت الذي كانت تشتري فيه "الريجي" الكيلو بحدود 9 دولارات قبل العام 2019، يمثل مبلغاً يتراوح بين 13 و15 ألف ليرة على سعر صرف 1500 ليرة، تراجع سعر الشراء في العام 2022 إلى حدود 5 دولارات. ومع استمرار الارتفاع في أكلاف الإنتاج، لم يعد هذا السعر كافياً. فالدونم الواحد يكلف اليوم بحسب عمّار "ما بين 25 و30 مليون ليرة". وتتوزع الأكلاف بشكل أساس على الأمور التالية:

  • العمالة، بمعدل 500 ألف ليرة أجرة العامل اليومية من الساعة السابعة صباحا وحتى الثانية بعد الظهر.
  • الري من خلال شراء المياه بمعدل يتراوح بين 5 إلى 7 صهاريج وبكلفة تبلغ 800 ألف ليرة للصهريج الواحد.
  • كلفة الحراثة وقد ارتفعت إلى ما بين 900 و1.5 مليون ليرة للساعة الواحدة بسبب ارتفاع أسعار المازوت وقطع الغيار للجرارات الزراعية. وتتطلب الأرض حراثة لما بين 3 إلى 5 مرات في العام.
  • التسميد ومكافحة الحشرات، حيث شهدت أسعارها ارتفاعات كبيرة، إذ أن معظمها يستورد من روسيا وأوكرانيا.

25 دولار عائد الدونم الواحد

انطلاقا من المقارنة بين كلفة الإنتاج للدونم الواحد وبين المردود الذي يتأتى معظمه من الريجي يتبين أن عائد الدونم الواحد على سعر شراء الكيلو بـ 5 دولار لا يؤمن للمزارع أكثر من 150 دولار. وإذا ما قسمنا هذا المبلغ على الأشهر الستة التي تبدأ بالزراعة في آذار الحالي وتنتهي بالتخزين في أيلول، مع ما يرافق العملية الانتاجية من قطف الورق على مراحل وشكّ الدخان وتجفيفه وتوضيبه... فإن شهرية المزارع من الدونم الواحد تبلغ 25 دولاراً. وهذا الرقم يعتبر متهاوداً جداً ويهدّد بعجز معظم المزارعين عن الاستمرار في هذه الزراعة. وبحسب عمّار فإن سعر الشراء العادل لهذا العام من قبل الريجي يجب أن لا يقل عن 10 دولارات للكيلو الواحد.

يعيش من زراعة الدخان نحو 17 ألف أسرة جنوبية. وعلى الرغم من صعوبة هذه الزراعة، وما تتطلبه من جهد وصبر ومثابرة، تبقى الرئة التي يتنفس منها العديد من مزارعي الجنوب. وهي لا تزال الزراعة الأكثر ربحية بحسب المزارعين. خصوصا بعد إثبات العديد من الزراعات البديلة كالقمح والصعتر والخضار فشلها. ومن حسناتها الكبيرة أن بيعها يتم دفعة واحدة. فيتقاضى المزارعون مبلغا من المال يُعينهم على تمضية فصل الشتاء. وكل المطلوب تحسين سعر الشراء من قبل الريجي في نهاية الموسم.