خالد أبو شقرا

استضافت العاصمة اللبنانية، بيروت، اجتماع الأمناء العامين لجمعيات المصارف في الدول العربية وملتقى إدارة الأزمات المصرفية والاستدامة المالية بدعوة من اتحاد المصارف العربية. الاجتماع الموسّع الذي عقد بمشاركة 14 دولة عربية ناقش في جلسته الافتتاحية الورقة الإصلاحية الخاصة بالقطاع المالي والاقتصادي اللبناني، التي أعدّها الاتحاد بالتعاون مع خبراء دوليين، تمهيداً لتقديم "الورقة" إلى جامعة الدول العربية.

خطة الاتحاد

الخطة البديلة لحلّ الأزمة اللبنانية التي عرضها اتحاد المصارف العربية تأخذ منحى مختلفاً كلياً عن ما طرحته الحكومة في خطة "استراتيجيّة النهوض بالقطاع المالي – FSRS"، بموافقة مبدئية من صندوق النقد الدولي في أيار 2022"، يقول معدّ الخطة البديلة الخبير السابق لدى صندوق النقد الدولي د. منير راشد، في حديث خاص لموقع "الصفا نيوز".

ومن أبرز نقاط الاختلاف بين خطة اتحاد المصارف العربية وخطة الحكومة، هو عدم اعتبار ودائع المصارف في مصرف لبنان المقدّرة بأكثر من 73 مليار دولار خسارات. فهذه الودائع هي "التزامات" يشدّد راشد، "لا يجوز شطبها، بأي شكل من الأشكال، لأن الأمر سيرتد سلباً على المودعين، الذين تتذرع الخطة الحكومية بحمايتهم. فبمجرد شطب الأصول من ميزانيات المصارف، سيتم شطب مقابلها مبلغا موازياً من الخصوم، أي من حقوق المودعين".

بالإضافة إلى حماية الودائع، تقوم خطة اتحاد المصارف العربية على المرتكزات الأساسية التالية:

  • تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية بشكل كامل، وتوقف المصرف المركزي عن التدخل بسوق القطع إلّا في الحالات النادرة. وهو الأمر الذي يخول المصارف الممنوعة راهناً من التعامل بسوق القطع على أساس السعر الحر، تخول مستقبلا بالتعامل في السوق على غرار الصرافين.
  • تحقيق التوازن المالي خلال مدة 12 شهراً.
  • إعادة جدولة الدين العام الذي يخفض مدفوعات الدّولة ويعيد الثقة.
  • تحسين إدارة المرافق العامة، وفي مقدمتها الكهرباء، من خلال خصخصة الإدارة، وليس بيع أصول الدولة. وهو الأمر الذي يعيد الانتظام للمؤسسات ويحقق للدولة أرباحاً كبيرة.

"ما تطرحه الورقة ليس تعجيزياً"، من وجهة نظر راشد. و"من الممكن تحقيقه بسهولة في حال توفرت الإرادة السياسية لذلك. إنما ما يجري لغاية اليوم هو استعمال اسم صندوق النقد الدولي كشماعة لتمرير خطة محددة. وإيهام الرأي العام أن الصندوق يريدها دون سواها. في حين أن الصندوق، وبناء على التجربة، منفتح على الحلول المنطقية التي تقدم بشكل صحيح". وبرأيه فإن السّير بخطة الحكومة سيؤدي إلى استمرار انهيار القدرة الشرائية وسيستمر الركود الاقتصادي".

المسؤولية الأكبر على الدولة

من جهته قال أمين عام جمعية المصارف اللبنانية د. فادي خلف في مداخلة أن "اعتماد مبدأ تراتبية المسؤوليات والخسائر، الذي يحمّل المسؤولية الأكبر للمصارف من خلال شطب الودائع، يفترض السؤال عن أين ذهبت الأموال ومن الذي استفاد منها". ليجيب بأن المفارقة هي تحميل الدولة المسؤولية للمصارف التي أودعت الأموال في مؤسسة هي تمتلكها، أي المصرف المركزي. وهي تلومها على حجم التوظيفات الكبيرة في المركزي مع العلم أن التوظيف في المصارف المركزية معدوم المخاطر في أي دولة في العالم. أكثر من ذلك فإن الدولة نفسها شرعت في قانون النقد والتسليف وتحديداً في المادة 113 منه أن "الدولة تتكفل بتسديد أي خسائر تقع على المصرف المركزي". هذا وذكر خلف بان "أموال المودعين استعملت لتثبيت سعر الصرف ودعم القدرة الشرائية للأجور بالليرة اللبنانية، وقد استفاد منها كل المواطنين من دون استثناء".

الثقة أهم

مصدر مصرفي عربي فضّل عدم الكشف سأل متعجباً، "كيف يمكن لصندوق النقد الدولي إعطاء قرض بمليارات الدولارات لمدين، شطب أموال الدائنين السابقين؟ ألا يهدّد ذلك باستعمال لبنان الأسلوب نفسه معه في المستقبل؟

في ظل الاختلاف الكبير بين وجهتي النظر الأساسيتين لكيفية توزيع الخسائر، المتمثلتين بتحميلها للمصارف من خلال شطبها، أو للدولة وإلزامها التعويض عنها من أصولها، تبقى الثقة الغائب الأكبر. فالثقة بالدولة والنظام الاقتصادي كفيلة بحل ثلثي الأزمة. ويكفي القول إن أصحاب عشرات مليارات الدولارات الموظفة في القطاعين العام والخاص والديون السيادية ليسوا بحاجة آنية لها كلها. ويكفي طمأنتهم إلى إمكانية الوصول إليها ساعة يشاؤون والسحب منها بقدر ما يريدون ليحل الجزء الأكبر من المشكلة. إلّا أن هذا الامر يتطلب البدء بالإصلاحات، وفي مقدمتها محاسبة المخالفين والمتورطين بتهم الفساد والتحويلات غير الشرعية في القطاع المصرفي. وحوكمة المصارف على قواعد الإدارة الرشيدة من خلال فصل إدارتها العامة عن رؤساء مجالس الإدارة. وإعادة الأرباح غير المشروعة الناتجة في معظمها عن الهندسات المالية. وإعطاء الأولية للمودع بوصفه سبب وجود المصرف.

بالإضافة إلى الإضاءات على الأزمة اللبنانية تضمن اليوم الأول لاجتماع الأمناء العامّين لجمعيات المصارف العربية محورين أساسيين:

ـ الأول، عرض لموسوعة التشريعات المصرفية العربية التي وضعها اتحاد المصارف العربية، ومركز الوساطة والتحكيم الذي أنشأه الاتحاد.

ـ الثاني، مناقشة اقتراح إنشاء مجلس استشاري للأمناء العامين في جمعيات المصارف العربية، والأهداف المرجوة منه.