خالد أبو شقرا
يحتفل لبنان، كما العالم، في الثامن من آذار بـ "يوم المرأة العالمي"، في ظل أزمة اقتصادية تشدّ الخناق على أعناق النساء، وتهدد بانتزاع حقوق أصبحت من المسلّمات.
على النقيض من الشعار الذي رفعته الأمم المتحدة لهذا العام "الرقمنة للجميع: الابتكار والتكنولوجيا من أجل المساواة بين الجنسين"، قد يصبح من المستحيل على الكثي الوصول إلى الانترنت بسبب ارتفاع الأسعار، وتدني القدرة الشرائية لليرة اللبنانية.
كلفة الاتصالات تحد من وصولهن إلى الرقمنة
يستحوذ الاتصال بواسطة الأجهزة الخلوية عبر شبكتي 3G و4G على النسبة الأكبر من استخدام الأنترنت. وقد ازدادت هذه النسبة خلال السنوات الماضية نتيجة أمرين أساسيين:
الأول، طبيعي، ويتعلق بسهولة الدخول على شبكة الأنترنت من الهواتف المحمولة في أي مكان وزمان.
الثاني، غير طبيعي، ويرتبط بانقطاع خدمة الأنترنت DSL، ذات الكلفة المقبولة، في المنازل والمؤسسات التي تقدمها شركة أوجيرو، مع كل انقطاع في التيار الكهربائي. ولنا أن نتخيل الواقع في ظل انقطاع للتيار الكهربائي استمر لفترات طويلة 24/24. وقد تضاعفت هذه المشكلة مع ارتفاع أسعار المحروقات بعد رفع الدعم في العام 2021، واضطرار "أوجيرو" إلى توقيف الكثير من السنترالات في كل المناطق اللبنانية. وبالتالي انقطاع الخدمة عن السواد الأعظم من اللبنانيين.
وبالأرقام فإن الحصول على أقل باقة أنترنت بسعة 1.7 جيجابايت، كانت تكلّف قبل الأزمة 28500 ليرة، تشكل 4.2 في المئة من الحد الأدنى للأجور، المحدد وقتها بـ 675 ألف ليرة. أما بعد الأزمة فقد أصبح الحصول على نفس الباقة يكلف 640 ألف ليرة تشكل 24.6 في المئة من الحد الأدنى للأجور. وذلك بعدما جرى رفعه إلى 2.6 مليون ليرة. بتعبير آخر فإن الحصول على الحد الأدنى من الأنترنت، الذي لا يكفي بالمناسبة لتصفح مواقع التواصل الاجتماعي لساعات محدودة، يكلّف ربع المدخول بالنسبة لشريحة كبيرة من المواطنين والمواطنات. فما بالنا بكلفة الحصول على ما يكفي من أنترنت لتسيير الأعمال والتسويق والابتكار؟!
الأمور لا تقف عند هذا الحد فأسعار خدمات الهاتف الخلوي وضعت بالدولار. وهي تحتسب بالليرة على أساس سعر منصة صيرفة الذي يصدره المصرف المركزي. هذا السعر الذي بدأ بـ 24800 ليرة عند اعتماد التسعيرة الجديدة للاتصالات في منتصف العام 2021، لم يلبث أن وصل إلى 70 ألف ليرة اليوم. وهو مرشح للارتفاع أكثر مع كل ارتفاع للدولار في السوق الموازية. الأمر الذي يعني استمرار أسعار الاتصالات والأنترنت بالارتفاع من دون حدود، وبنسب أعلى بكثير من كل الزيادات التي تعطى على الرواتب والأجور.
إشراك الجميع رقمياً
الشعار الذي رفعته الأمم المتحدة هذا العام بمناسبة يوم المرأة العالمي لم يكن عبثياً. فـ "معيشتنا أصبحت تعتمد على التكامل التقني الوثيق"، بحسب الأمم المتحدة. "ومع ذلك، فإن 37 في المئة من النساء لا يستخدمن الإنترنت. إذ أن عدد المستخدمات للإنترنت يقل بـ 259 مليون امرأة عن عدد الرجال، مع أنهن يمثلن ما يقرب من نصف سكان العالم". وعليه فأنه إذا كانت النساء عاجزات عن الحصول على خدمة الإنترنت، ولا يشعرن بالأمن فيها، فإنهن بالتالي عاجزات عن تطوير المهارات الرقمية اللازمة للمشاركة في المساحات الرقمية، مما يقلل من فرصهن في الحصول على الوظائف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ومما يزيد من خطورة الموضوع هو "اضطرار النساء اللبنانيات للابتعاد أكثر عن طبيعة العمل عن بُعد التي تلائمهن. والتي ترسخت أكثر نتيجة جائحة كورونا، بسبب هذا الواقع الضاغط"، يقول خبير التحول الرقمي رامز القرا. "الأمر الذي يُفقد النساء عامة، واللبنانيات خاصة هذه الفرصة لتحقيق المساواة في الدخل والأعمال مع الرجال". وعلى الرغم من الامكانيات الواسعة لتطبيق شعار الامم المتحدة لهذا العام في أوروبا، والولايات المتحدة، وفي العديد من الدول العربية والمتقدمة، فإن تطبيقه في لبنان ما زال دونه عقبات، لسببين:
- الجودة المنخفضة لخدمة الأنترنت، وارتفاع ثمنها، ليس على مستوى الافراد فحسب، إنما الشركات أيضاً.
- عدم توفر الخدمة بشكل موثوق ودائم. حيث تضطر الكثير من المؤسسات إلى تنويع اشتراكاتها من أكثر من مصدر لتأمين استمرارية الخدمة وعدم انقطاعها.
البطالة في صفوف النساء
بالتزامن مع الارتفاع الكبير في أسعار خدمات الأنترنت والاتصالات تبرز أرقام مقلقة تتصل بعمالة النساء. فبحسب "مسح القوى العاملة" الذي أصدرته إدارة الإحصاء المركزية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية في العام 2022، يظهر أن نسبة النساء الناشطات في سوق العمل تبلغ 22.2 في المئة بالمقارنة مع 66.2 في المئة للرجال. ووفقًا لنتائج المسح، فقد ارتفع معدل البطالة في أوساط النساء إلى 32.7 في المئة في العام 2022 بالمقارنة مع 28.4 في المئة عند الرجال.
بارقة أمل
على الرغم من سوداوية المشهد، "ما زالت النساء في لبنان تحاربن من أجل إثبات أنفسهن، والاضطلاع بمسؤوليتهن الوطنية والمجتمعية"، تقول نائبة رئيس جمعية المطورين العقاريين ميراي القراب أبي نصر. و"ما ساعدهن على ذلك الفرص التمويلية التي تتيحها الجهات الدولية للمشاريع التي تقودها النساء. فوجدت الكثيرات مدخلاً لبناء الأعمال الجديدة، أو استمرار القديمة بعدما أقفلت أبواب التمويل الداخلية في وجوههن نتيجة الازمة". وكل المطلوب بحسب القراب أبي نصر هو "نشر الوعي وتحفيز النساء على خوض التجربة". ومن تجربتها الشخصية مع ثمانية نساء قياديات تقول القراب أبي نصر أنهن "استثمرن في العام 2020، أي في عز الازمة، بمشروع رائد وفكرة جديدة لدعم النساء. فخلقنا متجر تسويق بالتجزئة "جازمين"، يؤمن أرضية فيزيائية ورقمية للنساء اللواتي يرغبن في تسويق بضائعهن ومنتجاتهن، بعدما عجزن عن الاستمرار في دفع الإيجارات وكل الفواتير المتصلة بها وما سببه تعطل التسويق الرقمي بسبب الأزمة المصرفية".
رغم كل التحديات والعقبات لا زالت السيدات اللبنانيات تحاربن على أكثر من جبهة. وهناك إصرار وعزم قويين لديهن على المحافظة على دورهن في المجتمع وتنميته. ولعل خير محفز في يومهن القول المأثور "في قلب الأزمات والمحن تكمن أعظم الفرص".