الصفا
لا شيء مؤكد بعد حول عمل وفد القضاة الأوربيين الذي يفترض وصوله إلى لبنان في غضون الساعات القليلة المقبلة. منذ فترة تبلغت دوائر العدلية ومدعي عام التمييز وصول وفد قضائي من دول أوروبية عدة للإستماع إلى شخصيات مصرفية حول قضايا مالية وتحويلات إلى الخارج. معلومات متقاطعة تحدثت عمّا هو أبعد وأخطر ويتصل بنية الغرب الحجز على الأموال اللبنانية التي حوّلت إلى الخارج والتي تخلّف أصحابها عن إستعادتها إلى لبنان.
سبق وتبلغت السلطات اللبنانية بموعد وصول القضاة على دفعات. وكان منتظراً وصول القضاة ما بين التاسع من الجاري والسادس عشر منه على أن تستمر جلسات إستجوابهم حتى السادس عشر. لكن الدفعة الأولى التي كان يفترض وصولها أمس لم تأتِ لأسباب وصفتها مصادر وزارة العدلية باللوجستية والأمنية. في حين رجحت مصادر أخرى أن يكون السبب الإعتراض الفرنسي على الإجراءات اللبنانية التي حدّت من عمل القضاة. كان الوفد القضائي الأجنبي يرغب بصلاحيات مطلقة وحرية تصرف واستجواب بحضور سفراء الدول المشاركة لاسيما الفرنسي والألماني. وأن يتم عملهم بحضور ضابطة عدلية مع حق الإدعاء.
وبعد نقاشات وأخذ ورد استمر منذ تشرين الأول الماضي وتدخل مباشر من رئيس مجلسي النواب نبيه بري وئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومعهما حزب الله تم تقليص الصلاحيات بما يحفظ سيادة لبنان على أراضيه، وبما يضمن عدم المس بهيبة القضاء، بحيث يتم الإستجواب من قبل القضاة اللبنانيين، وعدم إجبار المطلوب إفادتهم على الحضور، وتقليص دور الضابطة العدلية، وأن لا تتم الإداعاءات إلّا من قبل القضاء اللبناني. وهو ما كان موضع اعتراض الجانبين الفرنسي والألماني على وجه الخصوص.
بدأت القصة مع التبليغات التي تقدم بها عدد من الشخصيات اللبنانية عن تحويلات مالية ضخمة من لبنان إلى سويسرا بعد 17 تشرين وعن جني شركات محسوبة على مصرف لبنان أموالاً كانت واجهة لتبيض الأموال، والتحقيق في أموال عامة منهوبة. استعدت السلطات اللبنانية لإستضافة الوفود القضائية، وجهزت الطابق الرابع في وزارة العدل كمقر لعملهم.
ما توافر من معلومات لدى القضاة اللبنانيين أن الوفد القضائي الأوروبي سيحضر إلى لبنان للتحقيق بخصوص تحويلات مالية تناهز قيمتها ملياراً ونصف المليار دولار أميركي حولت بعد إندلاع الأزمة في لبنان. وأنهم بصدد الإستماع إلى نحو 30 شخصية مصرفية وصاحب مصرف وشخصية مقربة جداً لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حول مساهمتهم في تحويل أموال بطرق مشبوهة . ولهذا الغرض انتدب المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات أحد المحامين العامين لدى محكمة التمييز ومحامي عام إستئنافي، للإستماع إلى شهادتهم واستجوابهم من خلال طرح أسئلة أعدّها القضاة الأجانب يتولى طرحها القضاء اللبناني.
الخطوة من أساسها كانت مدعاة تحفظ في دوائر قصر العدل. وساد التساؤل حول صحة ما تردد من وجود عناصر من الضابطة العدلية في عداد الوفد القضائي. الأمر الذي سبب إستياءً في الأوساط القضائية. إذ لا يجوز في حال كان ذلك صحيحاً أن يجري القضاء اللبناني إستجوابه في إطار ضبط إفادة الشاهد في حضور أحد عناصر الضابطة العدلية من الأجانب. أمر آخر بقي مثار تساؤل حول إحتمال تغيب أحدهم ورفضه الإستماع لإفادته، فهل ستعمد الدولة إلى إتخاذ تدابير جذرية بحقه وترسل لجلبه بالإحضار؟ وما سيكون عليه موقف الدول الأجنبية حينذاك؟
زيارة الوفد القضائي الأجنبي قوبلت بتحفظ البعض من باب المسّ بالسيادة لكنها كانت مدعاة ارتياح للطرف السياسي الذي خاض ولا يزال مواجهته مع المصارف وحاكم مصرف لبنان على وجه الخصوص. وحسب توقعات الفئة الثانية فإن القضاة حضروا على خلفية ملفات قضائية تخص بلادهم وألحقت الضرر بها، وهي مخالفات تمت عبر مصرف لبنان أو شركات تابعة له وأن هدفهم الدفاع عن مصالحهم، وهم سيحضرون إلى لبنان بناء على تنسيق مسبق واجتماعات كان تولاها القاضي فادي طنوس قبل أن يتنحى ويهاجر خارج لبنان بسبب الضغوط التي تعرض لها على خلفية إدعائه على سلامة .
ويؤكد المراهنون على التدخل القضائي الخارجي على مسار قضائي طويل قد لا يكون محصوراً برياض سلامة. لكن التوقعات تقول أن الوفد لن يخرج من لبنان خالي الوفاض لأن سمعته على المحك، عنصر المفاجأة غير مستبعد وإن بدأ المحققون ببث تطمينات في إتجاهات معنية. فلننتظر ونرى، وصول الوفد أولاً، ويبنى ساعتئذ على الشيء مقتضاه. لكن هذا لا ينفي ضرب هيبة القضاء اللبناني والسيادة المحلية مجدداً.