احتل لبنان المرتبة 85 من أصل 103 دولة عالمياً في تصنيف سرعة أداء الإنترنت على الهاتف المحمول، ما يضعه في مصاف الدول ذات الأداء الضعيف في قطاع الاتصالات. هذا التراجع يعكس الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تضرب البلاد منذ سنوات، والتي انعكست مباشرة على قطاع الاتصالات بسبب غياب الاستثمارات وضعف البنية التحتية.
فإلى جانب عدم تحديث الشبكات وتراجع الاستثمارات، تواجه شركات الاتصالات أعباء إضافية ناجمة عن أزمة الكهرباء وارتفاع كلفة المازوت، ما جعلها عاجزة عن مجاراة التطور التكنولوجي السريع.
الأثر الاقتصادي
ضعف الإنترنت لا يُعتبر مجرد مشكلة تقنية بل هو عائق اقتصادي هيكلي. فالتجارة الإلكترونية، والعمل عن بُعد، والخدمات الرقمية باتت محرّكات أساسية للنمو في معظم دول العالم. وفي المقابل، يواجه اللبنانيون صعوبات يومية في هذه المجالات، ما يضعف قدرة الشركات الناشئة على المنافسة ويُفقد لبنان موقعه كبيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية في قطاع التكنولوجيا.
الخبير في الاقتصاد الرقمي، إيلي الأشقر، يؤكد في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أن: "ضعف الإنترنت في لبنان يشكّل نزيفاً خفياً للاقتصاد الوطني. فبينما تنتقل دول المنطقة إلى عصر التحوّل الرقمي، يجد لبنان نفسه متأخراً، مما يؤدي إلى فقدان فرص عمل وتراجع العائدات الممكنة من الاقتصاد المعرفي، ويُساهم في هجرة الكفاءات إلى الخارج".
نماذج ناجحة من دول أخرى
تجارب عربية وعالمية تظهر أن الإصلاح ممكن:
- في الإمارات، استثمرت الدولة منذ سنوات في البنية التحتية الرقمية، لتصبح من بين الدول الأسرع عالمياً في الإنترنت وتُحقق طفرة في جذب الاستثمارات التقنية.
- في الهند، ساهمت مبادرة “Digital India” في خفض أسعار الإنترنت وتوسيع التغطية لتشمل المناطق الريفية، ما أطلق موجة غير مسبوقة من الابتكار الرقمي.
- في كينيا، أدى تطوير شبكات الإنترنت عبر الهواتف المحمولة إلى طفرة في الخدمات المالية الرقمية مثل "M-Pesa"، وهو ما عزز الاقتصاد الوطني بشكل مباشر.
- هذه النماذج تظهر أن الاستثمار في الإنترنت ليس رفاهية، بل محرك أساسي للنمو الاقتصادي والاجتماعي.
حلول يمكن اعتمادها في لبنان
- وضع استراتيجية وطنية شاملة للاتصالات، تضمن تحديث البنية التحتية وتوسيع نطاق التغطية.
- إشراك القطاع الخاص في الاستثمارات مع تقديم حوافز ضريبية.
- اعتماد التكنولوجيا الخضراء لتقليل كلفة التشغيل عبر الطاقة الشمسية.
- تعزيز الشفافية في إدارة شركات الاتصالات وقطع الطريق أمام الهدر والفساد.
الشراكة مع "ستارلينك": خيار واقعي أم حل مؤقت؟
في ظل ضعف البنية التحتية المحلية، يطرح كثيرون فكرة الاعتماد على "ستارلينك" التابعة لشركة "سبيس إكس" لتوفير إنترنت عالي السرعة عبر الأقمار الصناعية. هذه الشراكة قد توفر حلاً سريعاً للمناطق النائية أو المهمشة التي تعاني من انقطاع متكرر، لكنها في المقابل حلٌ مكلف إذا اعتُمد بشكل واسع، ولا يمكن أن يُغني عن ضرورة تطوير البنية التحتية الوطنية.
لبنان يقف اليوم أمام مفترق طرق: إمّا الاستمرار في النزيف الاقتصادي الناتج عن ضعف الإنترنت، أو اتخاذ خطوات جريئة عبر الاستثمار في الشبكات، فتح المجال أمام شراكات دولية، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى. النجاح ممكن، لكنه يتطلّب قراراً سياسياً واضحاً وإرادة حقيقية للتغيير.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]