لم يؤثر الصخب والمضاعفات السياسية التي سبقت وتلت فعالية "حزب الله" بإضاءة صخرة الروشة بصورة أمينَيه العامَّين السيّدَين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين في الذكرى السنوية الأولى لاغتيالهما، على مبادرته للحوار مع المملكة العربية السعودية وفتح صفحة جديدة معها. فـ "الحزب" ببراغماتيته المعهودة لن يرتاجع عنها مهما حصل، والمملكة بوافعيّتها المعهودة أيضا لن ترفضها على الرغم من أنها لم تعلن موقفا رسميا منها، بغض النظر عما تواجهه المبادرة من اعتراض هنا او تحفُّظ او قبول هناك.
مرحلة المراجعات الحسابات التي أطلقتها قمة الدوحة العربية الإسلامية الأخيرة لمواجهة المخاطر التي انذرت بها الغارة الاسرائيلية على قطر مستمرة، وها هي إيران تسعى إلى تشكيل جبهة إقليمية عربية ـ إسلامية لدرء هذه المخاطر عبر محادثات مركّزة مع السعودية تحديداً ومع دول المنطقة العربية والاسلامية عموما، خصوصاً أن الغارة على الدوحة أعقبت إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي خريطة "إسرائيل الكبرى" التي تهدد وجود بعض دول الشرق الأوسط وتقتطع أجزاء من أخرى. وإسرائيل الكبرى هذه هي ما يعنيه نتنياهو بمشروعه "تغيير وجه الشرق الأوسط".
وقد جاءت زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني الثانية للبنان منذ توليه هذا الموقع الرفيع في هرم السلطة الإيرانية لترتبط ارتباطا وثيقا بمبادرة "حزب الله" تجاه السعودية ولتضع حدّاً للتساؤلات عن مدى تدخل طهران في هذه المبادرة ليتبين أن القيادة الإيرانية كانت أولا أبرز مهندسيها وثانيا أبرز العاملين على إيصالها إلى خواتيمها المرجوة.
ومع أن المملكة لم تعلن بعد أي موقف رسمي من هذه المبادرة فإن كل المؤشرات تدل إلى تقبّل سعودي ناعم لها من دون التخلي عن ثوابت الموقف من الوضع اللبناني وهو حصر السلاح بيد الدولة وقيام دولة لبنانية قوية مركزية ضامنة الجميع وهو ما هو عاودت تأكيده في كلمتها أمام الجمعية العمومية الأمم المتحدة التي ألقاها وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان. ويبدو أن الوقت لن يطول لتبلور أطر الحوار بين الرياض و"الحزب". وقد كانت زيارة لاريجاني في مضمونها متابعة لمبادرة "الحزب" تجاه الرياض والتي تبيّن أنه أقدم عليها بإشارة من لاريجاني.
زمع أنّ زيارة الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان الاخيرة للبنان جاءت غداة زيارة لاريجاني للرياض وبعد ساعات قليلة من إعلان الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم المبادرة لم تظهر المملكة أي موقف مباشر يتلقف المبادرة أو يرد رسميا عليها.
لكن كان اللافت تكرار السفير السعودي وليد البخاري ثوابت السياسة الخارجية السعودية تجاه لبنان في خطابه خلال احتفال السفارة بالعيد الوطني السعودي وأبرزها: "دعمُ الدولةِ اللبنانيةِ ومؤسساتِها الشرعية، واحترامُ خياراتِ اللبنانيين، وإيمانٌ راسخٌ بأن الشرعيةَ هي حجرُ الأساسِ لأيِّ بناءٍ وطنيٍ متين"، ومثمّناً "قرارَ مجلسِ الوزراءِ الواضحَ والصريحَ في تثبيتِ مبدأِ حصريةِ السلاحِ بيدِ الدولة، كخطوة تأسيسية على طريقِ استعادةِ سيادةِ لبنانَ وبناءِ دولةِ القانون".
ولكن ما استرعى انتباه الحاضرين قول البخاري "أننا نثمّنَ عاليًا الدورَ الذي يَضطلعُ به دولةُ رئيسِ مجلسِ النواب نبيه بري في تقريبِ وجهاتِ النظرِ وتعزيزِ المسارِ الوطنيِّ الجامع". ما دل إلى مراهنة الرياض الكبيرة على دور محوري سيضطلع به بري خصوصاً بعد مبادرة الحزب تجاهها.
والواقع أن لاريجاني حمل إلى بري وقاسم معطيات جديدة من الرياض حول موقفها من المبادرة لم يتضح مضمونها بعد، ولكنها تبدو إيجابية وستتكشف طبيعتها عما قريب من خلال ما ستكون عليه حركة الجانبين ومواقفهما.
وفي خلاصة مجموعة من المعطيات والمواقف يمكن القول إن العلاقة بين الرياض و"حزب الله" تتجه مرحلياً نحو خفض التوتر وليس المصالحة. فالكرة الآن هي في ملعب الرياض التي تختبر نفوذها الجديد في لبنان عبر دعم مؤسسات الدولة. وأي تقدم سيتوقف على تنازلات فعلية من "حزب الله"، خصوصاً في ما يتعلق بسلاحه وتدخله الإقليمي، وهو ما لم يبدِ استعداداً حقيقياً له حتى الآن. ولكن التطور الأكثر واقعية سيكون على الأرجح استمرار الحوار غير المباشر بين الجانبين عبر القنوات اللبنانية أو الإيرانية.
أهداف الزيارة
أما أهداف زيارة لاريجاني فأربعة:
- الأول، وضع المسؤولين في صورة التوجه الجديد لبلورة جبهة تعاون إقليمي في مواجهة إسرائيل بعد غارتها الجوية على قطر.
ـ الثاني، تحذير إسرائيل من أي حسابات خاطئة في الموضوع اللبناني في ضوء الحديث عن تحضيرها لتوجيه ضربة جديدة لـ "حزب الله". وهنا سلط لاريجاني الضوء على قدرة الـ "حزب" بحديثه عن عدم حاجته للسلاح من مكان آخر.
ـ الثالث نقل تأكيد المسؤولين الإيرانيين للمسؤولين لبنانيين أن الحل لنقل لبنان إلى مرحلة أفضل لا يكون إلا عبر الحوار والتوافق بما لا يعطي أعداءه فرصة استغلال الخلافات الداخلية للنيل منه.
ـ الرابع التأكيد من خلال المشاركة الإيرانية الرفيعة المستوى في مراسم ذكرى اغتيال السيد نصر الله أن إيران تقف إلى جانب لبنان وأنها حاضرة لتقديم كل الدعم له في مختلف المجالات.
وفي المختصر، أراد الرجل توجيه رسائل ردعية لإسرائيل حتى لا ترتكب مغامرة جديدة مؤكداً أن إيران لن تقف مكتوفة في حال ارتكاب أي عدوان على لبنان خصوصا في هذه الفترة التي يكثر فيها الحديث عن أن تل أبيب تنوي القيام بعمل ما على الحدود الشمالية والشرقية للبنان.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]