تشهد الطرقات اللبنانية منذ مطلع عام 2025 نزيفًا دمويًا مقلقًا، حيث تحوّلت إلى ساحات موت مفتوحة تحصد الأرواح بلا رحمة. فبحسب إحصاءات غرفة التحكم المروري في قوى الأمن الداخلي، سجّلت البلاد منذ بداية الشهر الحالي وحتى اليوم 191 حادث سير أسفر عن 44 قتيلًا و236 جريحًا، فيما تشير أرقام اليازا إلى أنّ عدد القتلى الفعلي قد وصل إلى 53 وفاة بسبب عدم توثيق بعض الحالات رسميًا. أما منذ مطلع العام وحتى نهاية تموز، فقد نقل الصليب الأحمر اللبناني 7447 إصابة ناتجة عن حوادث السير، أي أن الأرقام مرشحة لتجاوز حصيلة العام الماضي البالغة 11,373 إصابة.

صيف قاتل… وأسباب تتكرر

الأرقام تكشف أنّ أشهر الصيف – حزيران، تموز، وآب – تسجّل أعلى معدلات الحوادث والضحايا، يليها شهرا كانون الأول والثاني بفعل العطل والأعياد وعودة المغتربين. وفي حزيران الماضي، قُتل 37 شخصًا وأصيب 271 آخرون، فيما ارتفع العدد في تموز إلى 43 قتيلًا و284 جريحًا. وتشير تقارير هذا الشهر إلى تجاوز 56 وفاة حتى تاريخ 26 آب.

أما الأسباب الرئيسة فتتوزع بين:

السرعة الزائدة التي تشكّل نحو 70% من أسباب الحوادث.

سوء حالة الطرقات وغياب الصيانة.

انعدام الإنارة الليلية في كثير من المناطق.

القيادة تحت تأثير الكحول خاصة في فترات السهر.

استخدام الهاتف أثناء القيادة وعدم احترام المشاة لقوانين المرور.

الفوضى المتفاقمة للدراجات النارية غير المسجّلة والتي تسير بعشوائية وبهلوانية.

خسائر تفوق ضحايا الحروب

تقول الإحصاءات إنّ عدد القتلى ارتفع هذا العام بأكثر من 33% مقارنة بالعام الماضي، وهو مؤشر خطير يستدعي تحركًا وطنيًا عاجلًا. فالحصيلة، كما أشار الخبراء، تتجاوز أحيانًا ضحايا الحروب، لتكشف واقعًا مروريًا مأزومًا بين استهتار السائقين، غياب المحاسبة، وإهمال الدولة في صيانة البنى التحتية.

أصوات تطالب… ولا من يسمع؟

الأب طوني بو عساف علّق عبر صفحته على فايسبوك قائلاً: "مرة جديدة، تحوّلت طرقات لبنان إلى ساحات موت مفتوحة… هذه الكوارث ليست قضاءً وقدرًا، بل نتيجة مباشرة لسياسات الإهمال وغياب الصيانة وترك الطرق محفّرة ومظلمة. إنّنا نحمل الدولة بكل مؤسساتها المسؤولية، ونطالب بخطة طوارئ وطنية لتأهيل الطرقات وتطبيق صارم لقانون السير، ومحاسبة كل مقصّر".

من جهتها، اليازا دقّت ناقوس الخطر وطالب الدكتور زياد عقل رئيس اليازا، عبر حديث لـ"الصفا نويز" بـ:

تطبيق صارم للقوانين بلا محسوبيات.

رفع الغرامات بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي وتشديد العقوبات على المخالفين.

صيانة وإضاءة الطرقات بشكل دوري.

تجهيز القوى الأمنية بأجهزة رادار وكشف الكحول.

إعادة تنظيم المعاينة الميكانيكية وملاحقة الدراجات العشوائية.

تكثيف الحملات التوعوية لحماية الأرواح.

مسؤوليات متقاسمة

بدورها أشارت الناشطة جوزفين زغيب إلى أنّ مناطق مثل كسروان دفعت ثمنًا باهظًا، متسائلة في حديث لـ"الصفا نيوز"، عن "لو جزء بسيط من ملايين الدولارات اللي انكبّت بالانتخابات البلدية الأخيرة صُرف على إنارة وصيانة الطرقات، كان اليوم مارفن غانم ورفقاته وأهلهم بعدن معنا! المسؤولية مش بس على الدولة، كمان على كل اللي اشتروا الزعامة بدل ما يشتروا حياة الناس".

هل من أمل في كبح نزيف الطرقات؟

الوضع الراهن ينذر بخطر حقيقي يتطلب تحركًا عاجلًا من الدولة، البلديات، قوى الأمن، والمجتمع المدني، والأهم وعي المواطنين. فسلامة الإنسان ليست تفصيلًا ثانويًا، بل حق مقدس، والتهاون فيه جريمة يومية.

السؤال يبقى: كم ضحية بعد يجب أن تسقط ليفهم الجميع أنّ الدماء على الطرقات لا تُشترى ولا تُباع؟