عادت شاشات البورصات العالمية والأسواق المالية لتضيء بالاخضر بالتزامن مع استمرار واحدة من أخطر المواجهات العسكرية في الشرق الأوسط بين إيران واسرائيل. فالحرب الجوية والصاروخية، التي قد تتحول في أي لحظة إلى نووية، لم تؤثر كثيراً على أبرز المؤشرات الاقتصادية العالمية. فالنفط عاد ليتراجع بنحو 4 في المئة في افتتاح تعاملات اليوم السابع لاندلاع المواجهات، وانخفضت أسعار الذهب، وبقيت أسعار الفائدة الأميركية من دون تغيير عند معدلاتها السابقة، وحافظت أسواق الأسهم والسندات على استقرار نسبي.

إذا تناسينا إضاءة الصواريخ الايرانية ليلياً أجواء الشرق الاوسط، وغضينا الطرف عن مشاهد الدمار في المدن الكبيرة من ناحية المساحة والثقل الاقتصادي من تل أبيب مرورا بطهران ووصلاً إلى حيفا وأصفهان، ونظرنا فقط للمؤشرات الاقتصادية، لقلنا إن الدنيا بألف خير. وهذا ما لا يمكن تبريره استثمارياً واقتصادياً، ونقدياً"، بحسب الخبير في الأسواق المالية والمدير التنفيذي لشركة Advisory and Business علاء غانم. ويقود التحليل إلى واحدٍ من 3 سيناريوهات: إما أن المستثمرين يراهنون على عدم إطالة أمد الحرب، وإما هناك صناديق كبيرة تتدخل للمحافظة على الاستقرار لغايات غير اقتصادية، وإما أن هناك قراراً متخذاً من الدول الكبرى لمنع ظهور نقمة عالمية على الحرب جراء التداعيات الكارثية التي قد تنتج عنها.

الذهب يستقر

وعبر مراقبة تفاعل الأسواق مع المخاطر الجيوسياسية السابقة والوضع الحالي، يظهر بوضوح أن الاسواق لا تقيم الحرب الإسرائيلية الإيرانية كخطرٍ محدق.

على صعيد الذهب مثلاً ارتفعت الأسعار جراء الحرب بنسبة تقارب 3 في المئة فقط، كما يظهر الرسم البياني المعد من شركة Advisory and Business . في المقابل كانت أسعار الذهب ارتفعت بنسبة 8 في المئة جراء ضم روسيا جزيرة القرم في العام 2014، وبنسبة مماثلة عند استفتاء البريكس في العام 2016، وحلق الذهب عالياً جراء الإعلان عن جائحة "كوفيد - 19"، مرتفعاً بنسبة 35 في المئة في العام 2020، وارتفع 16 في المئة مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. اللافت أن سعر الذهب تفاعل مع بدء حرب اسرائيل على غزة في العام 2023، وارتفع بنسبة 5 في المئة، وذلك على الرغم من أن الخطر الجيو - استراتيجي للحرب الحالية أكبر بما لا يقاس مع اجتياح غزة.

النفط يتراجع




إذا سلمنا جدلاً بان الحرب الاسرائيلية الايرانية لم تدفع المستثمرين، كما يفترض، إلى اللجوء إلى الذهب، بوصفه أكثر الملاذات أماناً في حالات انعدام الاستقرار، فإن عدم ارتفاع النفط بنسب كبيرة يثير العديد من الأسئلة. فسعرا خامي كل من برنت وغرب تكساس الوسيط، ارتفعا بنسبة طالت حدود 14 في المئة عند افتتاح الأسواق في اليوم التالي على نشوب الصراع، وعادت لتتذبذب بنحو 4 في المئة بعد مرور قرابة الأسبوع على اندلاع المواجهات. والغريب أن كلفة نقل الفيول من الشرق الأوسط زادت بنسبة 40 في المئة، فيما كلفة التأمين على الناقلات ارتفعت ثلاث أمثال مما كانت عليه. والكثير من السفن أحجمت عن المرور في مضيق هرمز للوصول إلى موانئ تحميل النفط على الخليج العربي. وبحسب ما يظهر الرسم البياني، فإن أسعار النفط تفاعلت مع الغزو الروسي لأوكرانيا بشكل أكبر بكثير، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 50 في المئة، في حين لم يتجاوز الارتفاع عتبة 13 في المئة خلال الصراع الاسرائيلي الايراني. وكما شأن الذهب، فإن أسعار النفط تأثرت خلال الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة بنسبة أعلى من الصراع الحالي.

البورصات لا تتجاوب مع التهديدات



اللافت أن البورصات العالمية لم تقرأ الحرب الاسرائيلية الايرانية كعامل تهديد، ولم ينخفض مؤشر ستاندرد أند بورز 500 الذي يقيس أداء أكبر 500 شركة في الولايات المتحدة الاميركية أكثر من 1.5 في المئة، كما يظهر الرسم البياني، في حين أنه انخفض بنسبة لامست 30 في المئة في أعقاب جائحة كورونا وحوالي 10 في المئة بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

إطالة أمد الصراع يغير المعادلات

تشير هذه المشهدية بوضوح حسب غانم، أن "الأسواق لم تقيم الحرب الإسرائيلية الإيرانية كخطر جيوسياسي بعد، مع العلم أن إطالة أمد الصراع وحدوث أي تبدل تبدل مثل قطع الإمدادات من الخليج العربي وعبر مضيق هرمز، الذي يمر عبره 20 في المئة من إنتاج النفط العالمي اليومي، أو ما يقدر بحوالي 20 مليون برميل، سيدفع إلى تبدلات كبيرة بالمؤشرات الاقتصادية الأساسية، وما سيترتب عليها من نتائج اقتصادية نقدية ومالية. فإن ارتفاع أسعار النفط سيدفع إلى ارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات، ويدفع بالمصارف المركزية إلى سياسة التشدد النقدي من خلال رفع أسعار الفوائد. سيرخي هذا الأمر بثقله على الاستثمارات وارتفاع كلفة الإقراض وهي كلها عناصر سلبية.

عالمركزي اللبناني يرفع سقف السحوبات

بالانتقال من الشأن العالمي إلى المحلي، يبدو أن الأحداث التي تقع على مرمى حجر من عاصمة القرار في لبنان، وتتطاير شظاياها في أجوائه، لا تخيف المسؤولين، وتدفع إلى المزيد من التيسير النقدي. حيث بادر حاكم مصرف لبنان كريم سعيد إلى رفع سقف السحوبات النقدية الشهرية الخاصّة بالتعميم رقم 158 من 500 دولار إلى 800 دولار نقداً، والسحوبات النقدية الشهرية المرتبطة بالتعميم رقم 166 من 250 دولارا إلى 400 دولار نقداً، وذلك لمدّة سنة قابلة للتجديد ابتداءً من 1 تموز 2025 ولغاية 1 تموز 2026. وبرر المركزي القرار أنه "نظراً لاستمرار الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة، وحرصاً منه على تلبية الحاجات المالية والإنسانية المُلحّة للمودعين، ومن أجل المساهمة في تعزيز الاستقرار الاجتماعي، تم تعديل التعميمين ورُفع سقفُهما".

الحرب المهولة مازالت تداعياتها الاقتصادية عالمياً ومحلياً محدودة. وبقدر ما يبعث مثل هذا الاستقرار على الارتياح، بقدر ما يثير الاسئلة عن أسبابه الفعلية، وكيفية تطوره إذا ما طالت الحرب وتوسعت.