" يجب ألا ننسى أبداً جمال كرة القدم، وكيف تُحرك مشاعرنا، وكيف تُبقي مئات الملايين من الناس في حالة تشويق، وكيف تحدد كرة القدم هوّيّتنا. كرة القدم الأوروبية قصة نجاح فريدة."إنها صورة مصغرة لمجتمعنا"، هكذا يصف ألكسندر تشيفرين رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بطولات أندية القارة التي اختتمت هذا الموسم بفوز ساحق حققه نادي باريس سان جرمان على إنتر ميلان ليحمل اللقب للمرة الأولى في تاريخه. وجزء من هذه الهوية يرتبط تقليديا بنشيد الدوري.
هذا النشيد الحاضر دوماً في بداية كل مباريات البطولة الأوروبية أكثر من مجرد مقطوعة موسيقية، فهو يحرّك المشاعر مثله مثل كرة القدم نفسها، ويعكس قيم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم: المساواة والوحدة والاحترام والتميّز. يُعزَف عند بدء المباريات معطياً إشارة الإنطلاق لحدث كرويٍ مهم. النشيد المستوحى من مقطوعة كلاسيكية تمّجد الملكية يأسر قلوب اللاعبين والمشجعين والجماهير على حد سواء ويوّحدهم في جمالية لحنه وفخامته وكلماته المحفزة للفرق المتنافسة من كل أنحاء القارة.
بلغات الاتحاد الأوروبي الرسمية الثلاث الإنكليزية والفرنسية والألمانية تقول كلمات النشيد "أعظم الفرق" "أفضل الفرق" "الأبطال"
“Die Meister, die besten, les grandes équipes, the champions!”.
فما هي قصة هذا النشيد الذي يواكب انطلاق كل مباريات دوري أبطال أوروبا وكذلك بدء وانتهاء البث الرسمي للمنافسة، وكيف أصبح رائعة عالمية ينتظرها الملايين مع كل مباراة ويردّدونه كل مرّة وكأنها لأوّل مرّّة.
في العام 1992، كلّف الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الملحّن البريطاني توني بريتن خريج المعهد الملكي البريطاني للموسيقى إعداد نشيد عابر للحدود ويعكس الطابع المتعدد الجنسيات للعبة كرة القدم الأوروبية التي بدأ تطويرها منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي بهدف توحيدها وإضفاء روحية التعاون الأوروبية داخل الملاعب وخارجها. هذا كان بهدف مواكبة مسيرة كرة القدم الأوروبية التي انطلقت بقرار أصدره الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في العام 1954 خلال اجتماع في مدينة بازل السويسرية، استكمالا لمشروع التكامل الأوروبي. فهذا الاتحاد يتولّى تنظيم كل بطولات الأندية والمنتخبات في القارة العجوز.
يشرح الملحن توني بريتن في شريط نشر على موقع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) قصة ولادة هذا النشيد قائلاً إن الاتحاد "أراد مقطوعة موسيقية تعكس جاذبية وأهمية هذه المسابقة الجديدة التي كانوا يطلقونها. كان من المفيد جدا أن تكون هناك مرجعية" مشيرا الى ان النشيد مستوحى من مقطوعة "زادوك الكاهن" للملحن الألماني-البريطاني جورج فريديريك هاندل التي لحنها لمناسبة تتويج الملك جورج الثاني عام 1727 وباتت تُستخدَم في كل مناسبات التتويج، وتعكس "شهادة قوة ونجاح وعَظمة". يضيف أن فكرة دوري أبطال أوروبا "هي جعل اللعبة، لعبة جميلة، وكان يجب أن تعكس الموسيقى هذه الصفة".
بات النشيد بمثابة علامة تجارية لهذه اللعبة ومن أشهر المقطوعات الموسيقية المرتبطة بالرياضات الحديثة ويمكن التعرف إليه مباشرة إذ إنه يعكس فخامة وجودة هذه البطولة. حين يُعزَف النشيد، وقد أدّاه مراراً ومباشرة مغنّون معروفون مثل مغنّي الأوبرا الإيطالي أندريا بوتشيلي، يعرف المتابعون انهم يستعدّرون لليلة استثنائية وأن المباراة لن تكون عادية. يقول بريتن "كل مباراة ضمن دوري أبطال أوروبا هي مباراة كبرى، يصطف جميع اللاعبين في اللحظة نفسها تماما في أنحاء أوروبا ويصلون لتقديم أفضل أداء ممكن في أندية كرة القدم".
بالنسبة للاعبين هي لحظة مؤثرة تشكل حافزا للانطلاق بأفضل مباراة. يقول نجم كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي "حين تكون في أرض الملعب وتسمع هذا النشيد، تدرك أنّك في مباراة مهمة، مباراة لها خصوصيتها" فيما يقول الأوروغوياني لويس سواريز نجم فريق برشلونة قبل الانتقال إلى إنتر ميامي "حتى من المدرجات ومن الخارج، سماع النشيد أمر هائل". زين الدين زيدان صانع الألعاب الفرنسي والمدرب يقول أيضاً "إنها لحظة ساحرة بكل ما للكلمة من معنى، حين تستمع الى هذا النشيد يأسرك بشكل مباشر، ويدفعك إلى الفضول لمعرفة ما سيحصل بعد ذلك".
لم يكن أحد ليتوقع النجاح الباهر لهذا النشيد أو خطفه قلوب جميع محبي هذه اللعبة بدون استثناء كونه يضفي على مدى نحو ثلاث دقائق أجواء من الرهبة والترقب لما سيحصل ويعطي شعوراً بأنك على أبواب حدث مهيب كونه يجمع الموسيقى الكلاسيكية بأجواء الحماسة الرياضية بإيقاعه البطيء الذي سرعان ما ينتقل إلى أجواء الاحتفالات الملكية بلحنٍ تدريجي يتزايد قوةً وحماسةً يؤديه كورس وتعزفه اوركسترا كاملة.
في حديث آخر بثته شبكة "جو" البريطانية التي تعنى بأمور الرياضة والترفيه على وسائل التواصل الاجتماعي، يقول بريتن إن ما أراده الـ "يويفا" فعلياً هو مقطوعة "تعبر عن هذه المباراة على أنها أفضل الأفضل" وأن تعيد "جمالية هذه اللعبة" بعدما شهد عقد التسعينيات أعمال شغب في الملاعب. ومن هنا كتب الكلمات التي تشير إلى أنها "أعظم الفرق" و"أفضل حدث" و"أفضل الفرق" و"الأبطال" قائلاً إنه "لم يفكر للحظة أن النشيد سيصل الى ما وصل اليه اليوم" مشيراً الى "الشعور بأن النشيد عابر للحدود الأوروبية وهذا أمر مهم معنوياً وسياسياً".
أدخل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم السنة الماضية تعديلات طفيفة على النشيد شملت تغييرات في توزيع الآلات الموسيقية، مثيراً عاصفة انتقادات من المشجعين ما يثبت مرة جديدة مدى تعلقهم بهيبة هذا النشيد والذكريات المرتبطة بأهداف تاريخية في البطولة سجلها نجوم مثل رونالدو أو ميسي: فهو أكثر من مجرد لحن. انه يحمل في طياته دلالات رمزية وعاطفية، وينزلق بالجمهور إلى أعرق بطولة كرة قدم للأندية الأوروبية.