يمرّ أسبوع بعد آخر على "العهد" والحكومة في مراوحة متمادية، فالأول على عتبة بدء شهره السادس والثانية عشية طيّ شهرها الرابع، ويدور حوارهما حول سلاح "حزب الله" على نفسه، بين حملة ضد أحدهما ومهادنة الآخر، ثمّ مصالحة فوق المراوحة على أساس تلازم الداء والدواء اللذَين تختزلهما عبارة "حصر السلاح في يد الدولة".
هذه النمطية في السياسة وفي تنفيذ القرارات تُخفي حقيقة صعبة وسوداء هي أن "حزب الله" ليس في وارد التخلّي عن أحد أهم ما يعتبره لصيقاً بعقيدته و"مقدّساته" أي السلاح الذي بات يجسّد عنده معنى وجوده، بحيث أن تسليمه يساوي الاغتيال المعنوي والجسدي معاً. وكلّ ظواهر إعلان النيّات والتصريحات والمصالحات وآليّات الحوار تبقى على هوامش المواقف الجامدة.
عبثاً تسعى الدولة إلى إقناع "الحزب" بتطبيق خطاب القسَم والبيان الوزاري بدءاً من أولوية "حصر السلاح"، لأنه يقرأ في القسَم والبيان أولويات أخرى بشروطه الأربعة المسبقة، وبينها إعادة الإعمار، قبل البحث في مصير السلاح تحت العنوان التقليدي الغامض "الاستراتيجية الدفاعية".
وعبثاً أيضاً لجوء الدولة، ومعها كل الجهات المانحة، إلى التسليم بحقيقة الربط بين إعادة الإعمار ونزع السلاح، ولو تفادى المسؤولون حرَجَ الإقرار العلني بهذا الربط، ورغم معرفة قيادة "الحزب" به ومعها طهران التي أدركت حقيقته وسمعتها عبر لقاءات وزير خارجيتها عبّاس عرقجي الأخيرة في بيروت.
السؤال الذي يدور الآن في أروقة ثنائية "الحملات والمصالحات" و"تبادل الودّ اللدود" بين أركان الدولة وقيادات "حزب الله" هو هل تدرك السلطة الشرعية عمق المأزق الذي يحكم حوارها معه؟
إنه حوار عالق بين ثابتتَين:
ثابتتها هي، وتختصرها كلمتان "حصر السلاح".
وثابتته هو، وتختصرها كلمتان أيضاً "قدسية السلاح".
فكيف يمكن الخروج من تصادم هاتَين الثابتتين في حوار محكوم بالعبثية، وأي ثابتة سيُكتب لها النجاح؟
في الحقيقة، إن الخاسر الوحيد من الدوران في هذه الحلقة المفرغة هو حتى الآن الدولة اللبنانية التي يستنزفها الوقت ويُغرقها في دوّامة "الحملات والمصالحات" على طريقة الحامل العريق لأختام التدوير والأخصّائي في "التدفئة والتبريد" الرئيس نبيه بري، بينما العالم بدأ ييأس من المريض اللبناني، وقد يتركه للعلاج الإسرائيلي المميت.
ولئلًا تبقى حقيقة "الثابتة" التي يتمسّك بها "حزب الله" حول سلاحه مجرّد افتراض أو اتهام، يمكن الاستئناس بالإشارة البليغة من الوزير الإيراني عرقجي في ردّه على نظيره اللبناني يوسف رجّي المنادي بالدبلوماسية لحل الأزمة، وفي هذه الإشارة المعبّرة أن "الدبلوماسية وحدها لا تكفي"، قاصداً بوضوح ضرورة بقاء سلاح "المقاومة" واستخدامه.
ويأتي الموقف الإيراني كإسناد مباشر لتكرار مسؤوليّ "الحزب" تمسّكهم بالسلاح إلى درجة "قطع اليد التي تمتد إليه".
ومن المفيد هنا، وللتأكيد على "ثابتة السلاح" بالحوار أو بدونه، تقديم هذه العيّنة الموجزة من نقاش واسع على الواتساب جرى قبل أربعة أيام مع ناشط سياسي وعقائدي وثقافي في بيئة "حزب الله":
"سؤال: لماذا تستمرون في مقاومة أثبتت فشلها؟
جواب: لا حل إلاّ بالمقاومة، فالدبلوماسية هي التي أثبتت فشلها.
سؤال: يا صديقي. أنتم لا تحاربون ولا تقاومون ولستم قادرين على أن تحموا أنفسكم وقد سقط لكم 200 عنصر بعد وقف إطلاق النار، وأيضاً لا تحمون لبنان بل تعرّضونه لمزيد من القتل والدمار... فلماذا المقاومة والسلاح؟ أهكذا؟ مجرد عناد؟!
جواب: إن شاء الله نحن نجهّز الصواريخ مجدداً. وهناك صواريخ سكود من سوريا...
ويمكن قنبلة نووية.
سؤال: ههههه... مزاح أسود. هذا انتحار يا صاحبي وليس مقاومة.
جواب: ليس هناك خيار سوى القوة في عالم اليوم. أطفال الجنوب بدأوا يدرسون كيفية صناعة القنبلة النووية.
سؤال: اتركوا مجالاً لإيران، هل من المعقول أن تسبقوها نووياً؟!
جواب: نحن أَولى منها. نحن من أدخل التشيّع إلى إيران. ونحن أرسلنا علماءنا إليها وأهمُّهم بهاء الدين العاملي.
سؤال: ولماذا تأخرتم إلى اليوم في إنتاج القنبلة النووية؟
جواب: بسبب الظروف الطارئة والمعروفة.
سؤال: هيّا إذاً. قد تكون إيران بحاجة إليكم الآن كي تصنّع أسلحتها النووية بعدما رفعت تخصيب اليورانيوم إلى الدرجة المناسبة.
جواب: إن شاء الله نتعاون سويةً في هذا المجال مع "الجمهورية الإسلامية" في إيران، وبالتأكيد سيصبح لدينا سلاح غير تقليدي...".
(الاقتباس من حوار أشمل).
هذه العيّنة ممّا يدور من همس أو هجس في حلقات "حزب الله" تشكّل الخلفية الحقيقية لأي حوار ينخرط فيه حول سلاحه، فبدلاً من تخلّيه عمّا تبقّى منه بعد "حرب الإسناد" المدمّرة نراه يخطّط للحصول على أسلحة "غير تقليدية" وربما يدرّب عناصره وحتى أطفاله على صنع قنبلة نووية!
وقد يكون هذا النوع من التسريب المبرمج عبر بعض أهل الاعتبار يعتمد كرسائل للداخل والخارج، إضافةً إلى اختراع الآمال لبيئته وجبر خواطرها.
إنه جنون الحوار، برَسم الدولة، ومعادلة "الكره والودّ".