بعد نحو شهرين من الهدنة الدقيقة في قطاع غزة في مرحلتها الأولى، تُطرح تحديات جديّة حول القدرة على الانتقال لتنفيذ المرحلة الثانية الأهم، والتي من المُفترض أن تطرح الحل الأخير وفق النقاط الـ 20 لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

هذه المسألة بالغة الأهمية لترامب الذي وضع توقيعه على الاتفاق، وهو الإنجاز الخارجي الرئيسي له في ولايته الثانية، وهو يضغط للانتقال إلى المرحلة الثانية قبل عيد الميلاد مع علمه المسبق بمراوغة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

من الواضح ان المرحلة الأولى نفسها واجهت صعوبات وهي التي قُتِل فيها 366 فلسطينياً، وثلاثة جنود إسرائيليين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 11 تشرين الأول الماضي. وبينما لا يزال نتنياهو يطالب بالجثة الأخيرة المفقودة للانتقال إلى المرحلة الثانية، استمر بافتعال المعوقات مثل تشديد الضربات الانتقائية حتى في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي ما وراء الخط الأصفر، وتدمير الأنفاق، واحتلال نصف أرض القطاع، ووقف المساعدات، ولا يقف سوى بالضغط الأميركي مع تفعيل الوساطة مع قطر ومصر في القاهرة.

إنها أمثلة فقط على الصعوبات القائمة والكل ينتظر زيارة نتنياهو الأميركية للقاء ترامب قبل نهاية هذا الشهر. وسيتابع ترامب ضغوطه على نتنياهو ليأمر بسحب الجيش من مناطق واسعة في غزة ونشر قوة الاستقرار الدولية وإنشاء هيئة حُكم جديدة في غزة والشروع في إعادة الإعمار.

وبعد مصادقة مجلس الأمن على تلك القوة كما على الهيئة، ثمة تفاؤل أميركي بإعلان قريب لمجلس السلام (BOP) برئاسة ترامب ومشاركة نحو 10 قادة من دول عربية وغربية، الذي سيشرف على الأمر برمته في المرحلة الثانية. ويضم المجلس رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، ومستشارَي ترامب، جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، ومسؤولين آخرين من الدول الأعضاء. وأعلنت دول مقبولة فلسطينياً مثل إندونيسيا وأذربيجان ومصر وتركيا، أنها لا تزال مستعدة لإرسال قوات.

ويفترَض أن تعمل تحت إدارة هذا المجلس حكومة تكنوقراط فلسطينية من ذوي الخبرة في الإدارة والأعمال، غير مرتبطين بـ"حماس" أو حركة "فتح" أو أي فصيل فلسطيني آخر سواء من "منظمة التحرير الفلسطينية" أو من الفصائل المنافسة لها من خارجها.

صعوبات في الانتظار

على أن التحدي الأساس يبقى في موقف إسرائيل و"حماس".

وقد أظهرت الاستطلاعات الأخيرة أنه في حال إجراء الانتخابات الإسرائيلية العامة الآن، فإن حزب نتنياهو "الليكود"، سيتصدر في مقابل عجزه عن تشكيل الحكومة. ما يعني أن نتنياهو لن يكون مستعجلا على تقديم التنازلات حول كل القضايا المطروحة.

وبالنسبة إلى "حماس"، ثمة سؤال جوهري: هل ستقبل نزع سلاحها نهائيا والانتقال الى الصفوف الخلفية بل الاكتفاء بالمشاهدة بعد كل ما قدّمته؟

الواقع ان الأمر صعب وقد اعتبرت الحركة أن تكليف القوة الدولية بمهام وأدوار داخل قطاع غزة يجردها من حيادها، ويحوّلها إلى طرف في الصراع لمصلحة إسرائيل. كما أعلنت رفضها نزع السلاح الكامل، على النحو المنصوص عليه في خطة ترامب، خصوصاً أن إسرائيل تريد تحديد نوعية تلك القوات وفرض مهمة قوات جيشها بالتوازي مع القوات الدولية.

لكن الوسطاء ومنهم الأتراك والقطريون يضغطون بشدة على الحركة للانسحاب وبدء تفكيك السلاح الثقيل ثم الخفيف. وبينما يتفاءل الأميركيون بما ينقله المصريون من إيجابية حمساوية، لم يُبدِ نتنياهو أية ثقة بنيّة "حماس" ويرى أنها لا تريد سوى شراء الوقت ويرفض أي حضور لها، لكنه سيكون ملزماً توفير فرصة للعملية السياسية ولن يكون في مقدوره الرفض الدائم.

وفي الأسابيع المقبلة تهدف الإدارة الأميركية الى توفير خطة متكاملة لتكون جاهزة وحاصلة على موافقة جميع المعنيين قبل عرضها على "حماس" ومطالبتها بالموافقة عليها. عندها ستصبح "حماس" محرجة ولن يكون في مقدور إسرائيل التصلب أكثر.

في كل الأحوال ستشكل الزيارة الخامسة لنتنياهو للولايات المتحدة فرصة لبحث فرص إسرائيل ليس فقط في غزة بل في لبنان وسوريا.

وثمة أمر آخر سيشكل صعوبة للفلسطينيين وليس فقط لـ"حماس": من سيحكم؟ وهذا ما يتوسط فيه بلير مع نتنياهو.

بلير.. وإدخال السلطة

والواقع أن بلير لا يحتفظ بذكريات ناجحة عند الفلسطينيين. فتجربته في عملية السلام التي فشلت بين الفلسطينيين والإسرائيليين ماثلة، وكان ممثلا للجنة الرباعية الدولية التي ضمت سابقا الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

طبعا لا يتحمل بلير نتيجة فشله بل عدم دعم المجتمع الدولي له وبخاصة واشنطن. لكنه اليوم يحظى بثقة ترامب وبعيد عن حكومة رسمية لبلاده مكروهة فلسطينيا لتاريخها في إنشاء ودعم إسرائيل.

يبذل الرجل اليوم جهوداً كبيرة مع الدول المؤثرة في الملف، وعرض مع نتنياهو إمكانية إدخال السلطة الفلسطينية لتتولى الإدارة في بعض مناطق غزة. وحصلت الخطة على دعم أوساط عربية ووُصفت بكونها تجريبية، وفي حال نجاحها ستصبح دائمة.

الجديد في الأمر أن نتنياهو لم يكن حادّاً في رفضها وأحالها إلى المستوى الأمني لدراستها.

في كل الأحوال يعوّل الفلسطينيون على ضمانتهم في الدول الإسلامية التي تضغط على ترامب مع خط أحمر من غير المسموح تجاوزه خصوصاً في ما يتصل بمعبر رفح، الذي تحاول إسرائيل جعله معبراً للخروج من غزة وليس للعودة إليها، أي التهجير، وهذا ما يرفضه المصريون المعنيون مباشرة بالأمر.

وفي مقابل الضغط لمنع التهجير، ثمة ضغط إسلامي على "حماس" نفسها للقبول بالمتغيرات التي حصلت، وبالأمر الواقع والارتضاء بدور عربي يشرف على العملية الانتقالية.

إنها النقاط الخلافية الأهم التي ستكبر مع الوقت، وثمة نقاط غيرها وأخرى ستمثُل مع الوقت ليس أكبرها الإعلان الإسرائيلي البقاء عند الخط الأصفر وتعزيزه واعتباره الحدود الجديدة.