يعيش لبنان سباقاً مع الوقت بين الرسائل التحذيرية من مخاطر بقاء سلاح "حزب الله" وإعطاء إسرائيل "الضوء الأخضر" دولياً، أكان عبر الدعم أو غض النظر للقضاء عليه بعد الانتهاء المرجّح لفترة السماح مع نهاية العام الحالي. هذا ما تجسّده حركة الموفدين الدوليين ومواقفهم المعلنة وإن اختار بعضهم تلطيف في العلن ما يقوله بعيداً عن الأضواء.
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي الذي حذّر قبل نحو أسبوعين من بيروت أن المنطقة على شفا التصعيد، معرباً عن خشيته من أي احتمالات للتصعيد في لبنان ومجدّداً دعم بلاده حصر السلاح فيه، رفض أن يكون حاملاً أي رسالة تهديد بل ما وصل الى مسامعهم. إلا أن عبد العاطي أعرب للّذين شاركوه عشاءه البيروتي عن انطباع دولي أنه لم يتم تلمّس خطوات فعلية بشكل علني تؤكد سيطرة الجيش اللبناني على جنوب الليطاني وتنظيفه من ترسانة سلاح "حزب الله" ومنشآته.
هذه الخطوات الفعلية، تحدثّ عنها أيضاً الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان خلال لقائه وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي في بيروت الاثنين الماضي حين شدّد على "أهمية إيجاد آلية تتيح التحقق من مدى التقدم المحرز فعلياً لحصر السلاح بيد الدولة"، مؤكّداً أن "هدف زيارته الاطلاع على الموقف اللبناني قبل الاجتماع الثلاثي المرتقب عقده الأسبوع المقبل في باريس بين فرنسا والولايات المتحدة والسعودية تحضيراً للمؤتمر المُنتظر لدعم الجيش اللبناني ودعم خارطة طريق لتثبيت وقف إطلاق نار طويل الأجل.
لبنان في سباق مع الوقت بين الرسائل التحذيرية من مخاطر بقاء سلاح "حزب الله" وإعطاء إسرائيل "الضوء الأخضر" للقضاء عليه بعد انتهاء فترة السماح
عملياً، اجتماع باريس الذي سيضم مبدئياً الى جانب لودريان المسؤولة عن الملف اللبناني في قصر الرئاسة الفرنسية السفيرة آن كلير لوجاندر والموفدة الأميركية مورغان أرتاغُس والموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان وقائد الجيش رودولف هيكل لا يتطابق مع تركيبة "الميكانيزم" في ظل مشاركة السعودية ولا مع "اللجنة الخماسية" في ظل غياب قطر ومصر.
إنه لقاء لتَحقُّق "الثنائي" الأميركي – السعودي من جدية عمل "الميكانيزم" وتالياً من الخطوات التي يالجيش. هذا "الثنائي" هو رأس الحربة الدولية بوجه سلاح "حزب الله" ولا يساوم أو يساير في موقفه هذا. ففرنسا التي سعت منذ انتهاء الحرب قبل عام إلى عقد مؤتمر لدعم الجيش وفشلت مراراً، تدرك أنها لا يمكنها أن تضمن نجاح مؤتمر كهذا ما لم يحظَ بمباركة هذا الثنائي أي بالغطاء السياسي الأميركي والغطاء المالي السعودي.
لذا باتت تأكيدات السلطات الرسمية اللبنانية أن التشكيك بما قام به الجيش اللبناني جنوب الليطاني لا أساس له من الصحة لا تكفي لدحض هذه الادعاءات ولخلق ثقة دولية بنتائج عمل الجيش وبالـ "ميكانيزم" القائم حالياً. كما ان المسارعة بعد زيارة عبد العاطي إلى تنظيم جولة ميدانية للإعلاميين للمرة الأولى جنوب الليطاني للاطلاع على أعمال الجيش والتحضير لجولة أخرى للممثلين عن السفارات والملحقين العسكريين فيها أجلّت من هذا الأسبوع الى الأسبوع المقبل بسبب الطقس لا تستطيعان ان تكونا بديلاً عن الطلب الدولي بآلية شفافة تتيح التحقق من مدى التقدم المحرز فعلياً لحصر السلاح بيد الدولة".
كذلك الأمر بالنسبة لخطوة تسمية السفير سيمون كرم لترؤس الوفد اللبناني لأنها لا تعوّض عن الآلية المطلوبة. كما إن ادّعاء بعضهم أن هذه الخطوة ستكبح أي ضربة عسكرية على لبنان وتكسبه الوقت ساقط على أرض الواقع وخير دليل الغارات العنيفة على إقليم التفاح منتصف ليل الاثنين الثلاثاء.
إن خطوة تعيين السفير كرم المحنّك سياسياً وليس فقط ديبلوماسياً وصاحب الموقف الصلب سيادياً أكان في "قرنة شهوان" أو في "14 آذار" أو في موقفه الأخير خلال حفل تكريم النائب الراحل حبيب صادق في الجامعة اليسوعية، تكشف حقيقة الواقع المتقهقر لـ "الثنائي" الشيعي الذي لا يحتمل هذه الخامة من السياسيين. فهو الذي كان رضخ لقرار ترؤس ضباط أميركي "الميكانيزم" في اتفاق وقف الأعمال العدائية، لم يستطع أن يمنع قرار الحكومة السيادي بحصر السلاح بيد الدولة وفق جدول زمني في 5/8/2025 واكتفى بالانسحاب من تلك الجلسة لكنّه يحضر الجلسات التي يقدم خلالها الجيش تقريره.
تعيين كرم أطاح بالخط الأحمر الذي وضعه "الحزب" وهو ان لا تفاوض مباشر مع إسرائيل
تعيين كرم أطاح بالخط الأحمر الذي وضعه "الحزب" وهو أن لا تفاوض مباشراً مع إسرائيل. كما أربك بري أمام جمهور الثنائي، فسارع الى الترويج "أنه لم يكن يعلم بشأن تعيين السفري كرم وأن ما يهمه النتيجة لا الشخص وأن مهمته تقنية بحتة غير سياسية. إلا ان بيان رئاسة الجمهورية في 3/12/2025 أكّد ان الرئيس جوزاف عون وبعد التنسيق والتشاور مع بري، أعلن عن تسمية كرم. وهذا ما أكده أيضاً رئيس الحكومة نوّاف سلام. كما أن إصرار بري أن مهمة كرم "تقنية بحتة غير سياسية" ليس سوى محاولة طمأنة جمهور "الثنائي" ولو كانت كذلك لما إعتبر أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم أن "تعيين لبنان لـ"مدني" بلجنة رقابة وقف النار مخالف للقانون وتنازل مجاني وسقطة إضافية للحكومة".
لذا، إلى آلية تتيح التحقق من مدى التقدم المحرز فعلياً لحصر السلاح بيد الدولة درّ. فإن جاءت نتيجتها إيجابية وأظهرت وتيرة سريعة بحصر السلاح قد تكون وحدها العامل المساعد على كبح أي ضربة إسرائيلية أو إعطاء فترة سماح جديدة للإنتهاء كلياً من هذا السلاح.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]
