قبل أن تستفسر "حزب الله" عن نشر فيديو "الهدهد" تزامناً مع زيارة الموفد الأميركي آموس هوكستين يكون الجواب "هو ليس تزامناً. الفيلم موجود، ولكن تقصّدنا إصداره ليكون جواباً عمّا يحمله". 

قبل وصوله إلى لبنان، توافرت معلومات لـ"حزب الله" تقول إنّ الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين سيعاود المطالبة بوقف جبهة الإسناد في الجنوب تحت طائلة حرب تنوي إسرائيل شنّها على لبنان. لدى وصوله توجّه هوكستين إلى عين التينة مبلّغاً رئيس مجلس النواب نبيه بري برسالة تقول "حين تفرغ إسرائيل من عملية رفح ستنقل حربها إلى جنوب لبنان". وتابع "إذا لم يحصل وقف لإطلاق النار في الجنوب فلدي معلومات تقول إنّ رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو قد يقوم بعمل أحمق وصعب وأخشى أن نشهد حرباً في لبنان بعد الانتهاء من رفح". 

عقب زيارته الأخيرة للبنان، غادر هوكستين على أمل أن يعود بعد أن تنتهي الحرب في غزّة ويتمّ التوصّل إلى هدنة. لكنّه خالف ما وعد به وعاد فجأة، وبعد زيارة سريعة إلى إسرائيل شاء زيارة لبنان لإبلاغ المسؤولين بلهجة تتأرجح بين التحذير والتهديد، أنّ الحرب ليست بعيدة إذا ما أصرّ "حزب الله" على الاستمرار في فتح جبهة الإسناد، وفي التحليل السريع للزيارة أنّ اسرائيل هالها ردّ "حزب الله" في الجولان ولم يعد قرار الحرب بعيداً. 

فيديو جاء بمنزلة رسالة وصلت أصداؤها إلى إسرائيل قبل أن يصل هوكستين إليها ثانية.

لم يكن هوكستين قد تبلّغ رد لبنان الرسمي على ما أدلى به بعد، وبينما كان موفد بري النائب علي حسن خليل في طريقه ليبلّغ المعاون السياسي في حزب الله الحاج حسين الخليل بفحوى الزيارة إلى عين التينة، أرسل "حزب الله" إلى وسائل الإعلام يبلغها أنّه بصدد نشر فيديو لاختراق مسيّراته الداخل الإسرائيلي. الفيديو معدّ مسبقاً، وهنالك غيره العديد من الصور والمشاهد التي التقطتها مسيّرات "حزب الله" ولم تنشر إلى الساعة. اختار أن يتزامن النّشر مع الزيارة ليأتي جواباً على مواقفه، وليتبلّغ هوكستين الجواب عن التهديدات التي حملها، ومفاده أنّ إسرائيل على مرمى "حزب الله". فيديو جاء بمنزلة رسالة وصلت أصداؤها إلى إسرائيل قبل أن يصل هوكستين إليها ثانية. 

الذين استقبلوا هوكستين لمسوا أنّه يتصرّف كمبعوث رئاسي وليس كموفد من الخارجية، وهو حصر مواضيع البحث في الوضع في الجنوب اللبناني. مصادر اطّلعت على سير ما نقله تؤكّد لـ"الصفا نيوز": "أنّ هوكستين نقل رسالة تهديد ملطّفة بحيث أسند الأمر إلى نتنياهو وجنونه، وبدا حريصاً على إظهار نفسه كرسول يهتمّ بأمر لبنان، وبالتالي فإنّ ما عليه إلّا تحذير هذا البلد من مغبّة حرب لم يعد يستطيع لجمها". وتتابع المصادر قولها "إنّ زيارة هوكستين سببها الردّ الصاروخي لـ"حزب الله" في الجولان السوري المحتلّ بعد اغتيال أحد قادته في الجنوب، وهو الردّ الذي أخرج إسرائيل عن طورها وأثار الذعر من أبعاد هذه الضربة وانعكاساتها، مع ما تعنيه من فتح جبهة إسناد جديدة تضاف إلى جبهة الجنوب". وحسب معلومات المصادر المطّلعة على زيارته، فإن هوكستين قال لبريّ ردّاً على الموقف الذي يربط جبهة الجنوب بالحرب على غزّة "ليضغط "حزب الله" على حماس لوقف الحرب والقبول بمقترح الرئيس جو بايدن". فأجابه بري "أنتم تتفاوضون مع حماس في القاهرة وهناك وسطاء بينكما، فلا حاجة لنا إلى دور كهذا". 

قال هوكستين ما لديه، وقد وصل صدى الجواب عن مقترحاته إلى إسرائيل، التي لم يكن ينقصها بعد ضربتي الهدهد وصواريخ الجولان إلّا خطاب الرّدع للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله. لأكثر من ساعة تحدّث السيد مستخدماً حرباً ثلاثية الأبعاد ضدّ إسرائيل، نفسية وسياسية وعسكرية. في الشقّ النفسي، ركّز على الجيش الإسرائيلي الذي إن دخل لبنان فسيجد أنّ حربه على "حزب الله" باهظة جدّاً. في الشقّ السياسي، ركّز على مواقف المسؤولين الإسرائيليين المتضاربة وتبادل الاتهامات في ما بينهم بالكذب. أمّا الشقّ العسكري فكان هو الأقوى إذ نبّه السيّد إلى أنّ الحرب على لبنان تعني فتح الساحات، واستخدام أسلحة لم يفصح عنها "حزب الله" بعد، كما تعني، وهو الأهمّ، أنّ "حزب الله" قد يدخل إلى الجليل إذ تصبح الحرب مفتوحة على كلّ الاحتمالات. 

يرى "حزب الله" أنّ إسرائيل قبل الخطاب كانت حذرة جدّاً من شنّ الحرب، وبعده ازدادت حذراً. في الموقف المبطّن للسيد، في سياق خطابه، إنّ جبهة الإسناد قد تتوسّع إلى ما يتجاوز الإسناد. وفي رسائله إشارات توجّه بها ضمناً إلى الجيش الإسرائيلي ومفادها أنّ صواريخ "حزب الله" على بعد أمتار من مراكز ذلك الجيش. متى وقعت حرب إسرائيل ضدّ لبنان يؤكّد "حزب الله" وفق مصادره المقربة أنّ جبهة اليمن في حينه ستزداد بنسبة 50 في المئة وكذلك جبهة العراق. تقول المصادر إن "حزب الله" منذ الثامن من تشرين الأول لم يكن يهدّد إسرائيل، بل إنّ مسؤوليها كانوا يتعاقبون على التهديد، وقد بلغت 210 تهديدات في ثمانية أشهر، لكنّه أبلغ المعنيين بأنّ الرد سيكون قاسياً إذا شنّت إسرائيل الحرب على لبنان، خاصة بعدما استوعب "حزب الله" قواعد اللعبة الإسرائيلية وبات يضاهيها قوة. شمل السيد في خطاب الردع أميركا بعد إسرائيل والمعارضة الإسرائيلية. وزّع رسائله وفتح أبوابه مستعداً لأسوأ الاحتمالات، أي الحرب، التي هي، وفق حساباته، احتمال لا يزال مستبعداً، لكنّه لم يبقَ كذلك بعد الخطاب.