طموح لبنان "الفقير" إلى إدخال أحدث "الصيحات" التقنية البيئية إلى شوارعه، أكبر من واقعة وأكثر كلفة. فالسيارات الكهربائية التي لا توفّر الأنظمة طريقة لتشجيع استعمالها، غير ملائمة لبلدنا. وقد "تحوّرت" الفكرة من وراء استعمالها، للتبجح وإظهار المكانة الاجتماعية، بدلاً من أن تخدم الهدف العالمي الأسمى "حماية الطبيعة الأم"، وتخفّف عن كاهل الاقتصاد المحلّي التّعِب، والكلفة الهائلة لاستيراد الفيول.

بيّن مقال لي سابق عنوانه "السيارات تتدفّق بـ"مزاريب" الاستيراد وتباع بـ"القطارة"، أنّ لبنان في زمن الانهيار يستورد سيارات تفيض عن حاجته، بنسبة لا تقلّ عن 30 في المئة. إلّا أنّ هذه النسبة التي تبدو كبيرة، وتطرح العديد من الأسئلة الإشكالية عن انعكاساتها، خصوصاً في بلد منهار، تبقى "نقطة في بحر" كمّيّة السيارات الكهربائية والهجينة المستوردة مقارنة بحجم المبيعات.

10 سيارات "بيئية" في شهر

يشير تقرير رسامني يونس إلى أنّ حصة السيارات المباعة التي لا تعمل على البنزين بلغت 10 سيارات في نيسان 2024 من أصل 596 سيارة مباعة، وبنسبة لا تتجاوز 1.7 في المئة. وقد توزّعت هذه الكمّية الضئيلة على السيارات العادية والسيارات ذات الدفع الرباعي، منها خمس BMW، وثلاث أودي SUV، وسيارة واحدة مرسيدس SUV، وواحدة MG SUV. وقد تنوّعت بين الهجينة، والهجينة الكهربائية، والسيارات الكهربائية. وقياساً على هذا الرقم يمكن تقدير أن يصل عدد السيارات المباعة التي لا تعمل على البنزين إلى نحو 120 مع نهاية العام. في المقابل، تشير أرقام الجمارك إلى أنّ لبنان يستورد سنوياً عدداً أكبر بكثير من السيارات الكهربائية. وقد بلغ عدد السيارات المستوردة على سبيل المثال في العام الماضي حوالى 1400 توزّعت بين كهربائية وهجينة.

تخفيض الضرائب يحفّز الاستيراد

هذه الكمّية الكبيرة، "نسبياً"، من السيارات الهجينة والكهربائية المستوردة لا تهدف إلى تلبية الطلب، إنّما تأتي نتيجة الإعفاءات من الجمرك ورسوم التسجيل، وتستهدف الشرائح الاجتماعية الميسورة. خصوصاً أنّ "متوسط سعر السيارة الكهربائية – غير الهجينة – أعلى من مثيلتها التقليدية التي تعمل على الوقود الأحفوري بـ30 في المئة في أوروبا، وبـ27 في المئة في الولايات المتحدة، معدّلاً عاماً"، وذلك بحسب بيانات Bloomberg NEF. وكان لبنان قد بدأ منذ أعوام إعفاء السيارات الكهربائية من الرسوم الجمركية ورسم الاستهلاك الداخلي. وقد أقرّت موازنة 2024 الأخيرة في المادة (69) إعفاء السيارات الكهربائية من الرسوم خلال خمس سنوات، و 70 في المئة من رسم التسجيل، ورسم الميكانيك للمرة الأولى فقط. والسيارات الهجينة (Hybrid) تعفى بنسبة 80 في المئة من الجمارك، و70 في المئة من رسوم التسجيل. وذلك قبل أن يعود المجلس الدستوري ويوقف مفعول هذه المادة من ضمن 9 مواد بسبب الطعون المقدمة إلى حين بتّ المراجعة.

استيراد الفيول يزداد

في الوقت الذي تزداد فيه حصّة السيارات البيئية المستوردة، ترتفع تدريجياً كمّية الفيول المستورد، ولم تزد ساعات التغذية العامة بالكهرباء. ففي العام 2023 استورد لبنان نحو 5200 طن متري من الفيول بزيادة 5 في المئة عن العام 2022، وبقيمة وصلت إلى 4.5 مليار دولار. ويعود هذا الارتفاع الكبير إلى تلبية استهلاك السيارات الخاصة والعامة من البنزين وإلى تأمين المازوت للمولّدات الخاصة. ومن هذه الزاوية، يبدو واضحاً أنّ التشجيع على استعمال السيارات الكهربائية يفوّت موارد على الخزينة من جهة، ولا يؤدّي من جهة أخرى إلى تخفيض فاتورة الاستهلاك، وبالتّالي، الحدّ من نزيف العملة الصعبة.

السيارات الكهربائية تصحّح النّقل العام

بالإضافة إلى السيارات الخاصة، تلاقي السيارات الهجينة المخصصة للنقل العمومي معاملة ضريبية خاصة. و"من شأن إمكان تحديث أسطول النقل العام والعمومي وتحويله إلى السيارات التي تعمل على الكهرباء، أو مناصفة بين الكهرباء والفيول، أن يخفّض التعرفة نحو 75 في المئة"، بحسب الباحث في مجال حلّ أزمة السير والنقل العام شوقي حاطوم. فبدلاً من أن تكون التعرفة 200 ألف ليرة (خفّضت بقرار من وزير الأشغال العامة والنقل إلى 150 ألفاً) تصبح 50 ألفاً. وهذا ما يرتد إيجاباً على مختلف القطاعات. فتنخفض فاتورة بدل النقل التي تدفعها الدولة للموظفين، وتتراجع الحاجة إلى فرض المزيد من الضرائب لتمويل الزيادات. ويتمكّن العمال والطلاب من الوصول إلى مقاصدهم بكلفة أدنى. ويتراجع استيراد الفيول".

السيارات "الهجينة" حجّة للتهرّب من الضرائب والرسوم

بعيداً عن مصلحة الاقتصاد أيضاً، أضيفت السيارات الهجينة بشكل جزئي وبسيط Mild hybrid الجديدة فقط، إلى الإعفاء الجمركي في موازنة 2024، بحيث باتت تعامل كأنها سيارات هجينة كاملة. مع العلم أنّ الأخيرة يمكن قيادتها على البطارية من دون استهلاك وقود بصفر انبعاثات حتّى 26 في المئة من الوقت، بينما لا يمكن قيادة السيارات الهجينة بشكل جزئي على البطارية فقط من دون الاستعانة بالمحرك والوقود. وعليه، تصبح أقرب باستهلاكها للوقود وانبعاثاتها إلى السيارات التي تعمل على الوقود. أخطر من ذلك، فإنّ من شأن مثل هذا الإجراء "تفويت مداخيل كثيرة على الخزينة" بحسب نقابة مستوردي السيارات المستعملة. "لكون 80 في المئة من السيارات المصنّعة حديثاً هجينة بشكل جزئي".

الافتقار إلى الكهرباء للشحن

إضافة إلى كلّ هذه العوامل، تفتقد السيارات الكهربائية إلى محطّات الشحن، وإذا افترضنا أنّ هناك 1000 ميغاواط منتجة من الطاقة الشمسية في الوحدات السكنية يمكن استغلالها لشحن السيارات، فإنّ معظم هذه الوحدات صغيرة جداً بمعدّل 4 ألواح وبطاريتين ومحوّل، ولا تكفي لتزويد الآليات بالطاقة على نحو دائم. وتحتاج مثل هذه السيارات إلى محطّات، أو إلى إضافة وحدات في محطات الوقود التقليدية، وهذا لا يزال غير متوافر على نطاق كبير جداً.

إزاء جميع هذه المعوقات، من الواضح أنّ السياسات الاقتصادية التي تضعها الحكومات تأتي "خبط عشواء"، ومن المؤكد أنّها لا تهدف إلى إحياء الاقتصاد وضمان ديمومته، إنّما لـ"إماتة" كلّ محاولات الانتقال نحو النمو والتنمية المستدامة.