لو كانت التعديلات على قانون حماية المستهلك "طبخة بحص" لكانت نضجت. فمنذ 16 تشرين الثاني 2022، واللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الإقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط، تناقش بجلسات "ماراتونية" قانون حماية المستهلك وتعديلاته. الطامة الكبرى ليست بعدم إحالة القانون المعدل إلى الهيئة العامة بعد 3 سنوات أقله، من الدرس، التمحيص والتعديل، إنما استمرار تطبيق القانون بشكل مجتزأ وغير فعال منذ 20 عاماً، إذ إن قانون حماية المستهلك مُقرٌّ أساساً في العام 2005 تحت الرقم 659.

بعد نحو 14 جلسة، أقرت اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط بتاريخ 7 أيلول 2023، التعديلات على قانون حماية المستهلك، معلنةً على لسان رئيسها النائب فريد البستاني انتهاء مهمتها. ومتمنية إقرار القانون في أول جلسة تشريعية للانتقال سريعاً إلى مرحلة تشكيل هيئة تنظيمية لتطبيق هذا القانون.

هل اقترب إقرار القانون؟

وبعد نحو عامين أو أقل بقليل، وقد عقد البرلمان 32 جلسة تشريعية بين أيلول 2022 وآب 2025، مازالت التعديلات على القانون عالقة في اللجان النيابية المشتركة. وقد وعد "عراب" القانون النائب البستاني، عقب مناقشة اللجنة أخيراً، ملف المولدات الخاصة التي "تبتز" المستهلكين، بإحالة قانون حمايتهم بتعديلاته الجديدة إلى الهيئة العامة قريباً، بالتوازي مع قانون المنافسة. الأمر الذي سيشكل برأيه "خطوة أساسية نحو وضع إطار قانوني يحدّ من المخالفات واحتكار أصحاب المولدات، ويساهم في تنظيم هذا القطاع الحيوي".

يُفترض عند إقرار القانون، تفعيل دور "المجلس الوطني لحماية المستهلك" ذو الدور الاستشاري، والذي يتألف من المدراء العامين للوزارات المعنية بالإضافة إلى ممثلين عن الهيئات الاقتصادية وجمعيات المستهلك، ومراقبة موظفي مديرية حماية المستهلك تطبيق أحكام القانون، وإنزال العقوبات بالمخالفين وفقاً للتعديلات الجديدة.

حماية المستهلكين من كارتل المولدات الخاصة

لعل من أبرز المخالفات التي تنتهك حقوق المستهلك اليوم، وتنزل بهم الخسائر المادية والمعنوية والصحية، تتمثل في المولدات الخاصة. فـ"هذا القطاع بالغ الأهمية، وقيمته تصل إلى نحو ملياري دولار ويقع تحت إدارة كارتلات"، بحسب لجنة الاقتصاد، "ما يتطلب ضبطه ومراقبته بشكل صارم". ومن أبرز المخالفات"

- وضع المولدات تعرفة أكثر بـ 35 في المئة على الأقل من تلك المحددة من وزارة الطاقة. فمعظم المولدات الخاصة تتقاضى 65 سنتاً عن الكيلوواط الواحد، تضاف إلى ما بين 5 و10 دولار اشتراك عداد 5 أمبير. في حين أن التعرفة العادلة التي تضعها وزارة الطاقة هي 40 سنتا للكيلوواط الواحد و4.5 دولارا فقط، ثمن الاشتراك في عداد 5 أمبير.

- رفض العديد من اصحاب المولدات الخاصة ولاسيما في أحياء المدن تركيب العدادات، ويتقاضون الاشتراك الشهري بناء على مقطوعة تصل إلى 100 دولار عن عداد 5 أمبير.

- عدم التزام المولدات المرخصة للاستعمال في المؤسسات والمعامل، أو تلك المخصصة لبيع الكهرباء (مولدات الأحياء) بأحد أهم شروط السلامة العامة المتعلقة بارتفاع دواخينها، ووضع فلاتر diesel particulate filter للحد من التلوث المسبب للسرطان والأمراض الرئوية.

وعليه فإن المولدات الخاصة تنتهك حقوق المستهلك بالتسعير والتسبب بأضرار تفوق تلك التي تتسبب بها السلع والمنتجات المنتهية الصلاحية والتي تستوجب تلف البضائع وإنزال الغرامات المادية والسجن بحق المخالفين. فهل يجوز عند ضبط مخالفة من ها النوع الاكتفاء بتغريم المخالف بـ 18 مليون ليرة بناء على القانون غير المعدل، أو ما يعادل 200 دولار، يمكن تحصيلها من مشترك وحيد"، يسأل مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد أبو حيدر. "أكثر من ذلك هل يكتفي المراقب في وزارة الاقتصاد تسطير محضر ضبط بحق مؤسسة غذائية تبيع سلعاً فاسدة للمواطنين بكميات كبيرة وعن سابق تصور وتصميم كما في القانون القديم، أم يقفلها كما مدرج في التعديلات. فهذا النوع من العقوبات والغرامات بحسب القانون القديم لا يشكل رادعاً للمخالفين، كونه أقل بكثير مما يجنيه المالك من المخالفات التي يرتكبها. ولعل الدليل ما تكشف عنه يومياً دوريات حماية المستهلك من مخالفات عند بعض أصحاب المؤسسات".

محاذير التعديلات بحسب أصحاب المؤسسات

أصحاب المؤسسات يتخوفون في حال إدخال التعديلات على القانون من أمرين أساسيين:

- الأول إعطاء السلطة شبه المطلقة لوزارة الاقتصاد ومراقبيها في تحديد مصير المؤسسات ولاسيما لجهة الاقفال. وهذا النوع من السلطة يمكن أن يكون برأيهم استنسابي.

- الثاني، رفع قيمة الغرامات بشكل كبير جدا.

في المقابل يرى أبو حيدر أن "تحديد المعايير التي ستعتمد للتغريم والعقوبات في حالات المخالفات، بدقة وموضوعية يحول دون أي استنسابية. ويحق للمؤسسات الاعتراض على العقوبة أمام القضاء المختص في مهلة 15 يوما".

التطبيق هو الأساس

جمعية حماية المستهلك – لبنان، التي شاركت في العديد من الاجتماعات وأًرسلت لها المسودات والتعديلات للاطلاع عليها وإبداء الرأي، يئست. فـ"العبرة ليست بإقرار القانون، إنما بإصدار مراسيمه التطبيقية ووضعه موضع التنفيذ"، يقول رئيس الجمعية الدكتور زهير برو. و"قد بدأت دراسة التعديلات على القانون وإقرارها منذ العام 2014، واستكملت أو أضيف عليها تعديلات جديدة في العام 2022، ولاسيما فيما يتعلق بالغرامات التي تهاوت قيمتها مع انهيار سعر الصرف بعد العام 2019. إلا أن الضغوط التي يمارسها المتضررون من وجود مثل هذا القانون بشكل أساسي، أدت إلى عدم تطبيقه. فهو يفرض عليهم التزامات من ناحية النوعية والأمن الغذائي والتسعير، تخالف مصالحهم وغاياتهم في تحقيق الربح السريع على حساب المواطن والاقتصاد".

قانون حماية المستهلك موجود وتطبقه وزارة الاقتصاد، إنما بتسطير محاضر ضبط تنام لسنوات في القضاء، وبغرامات قليلة وبغياب المشاركة الفعلية من المجلس الوطني لحماية المستهلك. ومن شأن التعديلات التي أقرت أن تفّعَِل تطبيق القانون، ولاسيما في ظل كل المتغيرات التي نشهدها اليوم على صعيد لبنان والعالم.